هو الأمام العارف بالله ، الحسين بن منصور الحلاج ..
ولد عام 244 هجريا فى قرية البيضاء ببلادِ , بدأ حياتهُ بتعلّم العلوم الدينيه كالشريعة والسنه النبويه بجانب عمله فى حلج القطن , ولهذا اشتهر بالحلاج نسبةً إلى عمله , رغم نبوغه فى دراستهِ بالعلوم الدينيه ولكنه لم يتخذ منها سبيلا للمناصب القضائيه آن ذاك , ولكنه اتجه بعقلهِ وخاطرهِ إلى " عالم الروح " و السير إلى الله .. المعرفه الحقيقه بالله
الفيلسوف الديني :
صنفه الكثيرون من رواد عصره مرةً بالفيلسوف الدينى ومرةً بالزنديق الكافر , ورغم كثرة المهتمين بهِ في عصرهِ وأثناء حياتهِ إلا أنه لم يلتفت لتصنيفاتهم واهتمامهم به ؛ ولم ينشغل بها فهو من قال ( ملتفت لا يصل ) ولم توقفه وتلفته انتقادات معاصريه عن بحثهِ الحقيقى عن " المعرفه الألهيه " , ليس عيباً أن تطلب من الله أن يُعرّفكَ على إياه ,
درويشاً إلهياً :
وهذا هو المطلب الرئيسى لدى العارفين والأولياء , ولكن لم يكن هذا مطلب الحلاج , بل طلبَ ما لا يمكن حدوثه , بأن يرى الله عياناً فى الحياةِ الدُنيا , فأخذته جلالة حالهِ ومزقتهُ حقيقة بشريته بـ (كل من عليها فان) كان عاشقاً , مجذوباً .. درويشاً إلهياً , لم يترك لنفسهِ مجالاً لمجاهدتها بل جاهدتهُ نفسه على أن يقلع عن مطلبه الذى أودى بمقتله نهاية الأمر وإن لم تكن أسباب قتله الحقيقيه أسباباً دينيه ؛
سببا سياسيا :
في حقيقة الأمرِ كانت السببيه الحقيقيه وراء مقتل الحلاج سببا سياسيا بحتا لم يكن موسم الحج للحلاج هو الأيام المعدودات لهُ بل كان يعتكفُ جانب الكعبة شهوراً عده بلا زادٍ أو ماءٍ مما كان يطرح التساؤلات حول الناسِ من أين يأتى بزادِ بطنهِ التى لا تذق الزاد لشهور عاش الحلاج حياةً متوتره قلقه لم ير فيها طعم الراحةِ التى كان يبحثُ عنها , ولكن هكذا العشق , خاصةً إن كانَ إلهيا ,
فلم يكن مرحلة العشق والفناء تلك باليسيره عليه !!
وخيرُ شاهدٍ على حالتهِ هى مقولته التى كانت تتردد دائماً على لسانِ حالهِ كلما تواجد بين الناسِ فى أسواقِ بغداد ( بالله اقتلونى .. خلصونى , أقتلونى فتصبحون مجاهدين وأصبح شهيداً , ما عاد يتركنى لنفسى فأهنئُ بها أو يأخذنى إليهِ فأستريح , وهذا دلالٌ لا أطيقه ) ما ميّز الحلاج عن غيره من معاصريهِ هو شعبيته الواسعة الأنحاء بين الموالى ( فقراء بغداد ) حيثُ كانوا يجالسونهُ ويستمعون إلى حديثهِ العذب حول حال العشق والفناء ،
وكثيراً ما كان يناصرهم أمام قصر الخليفةِ ببغداد
, ويُذكر أنه ذات مرةٍ ذهب بإمرأةٍ إلى القاضى البغدادى فى شكوىً لها حيثُ وقع عليها ظلما من الأمير , فما كان من القاضى إلا أن انحاز بحكمٍ باطلٍ إلى الأمير كى يكسب رضاهُ ويتقرب إلى الخليفةِ بفتاوىٍ دينيه حيثما تُناسب قصر الخليفه , فما كان من الحلاج إلا أدلى ببيت شعرهِ الشهير ( كفرتُ بدينِ اللهِ والكفرُ واجبُ ... لكنهُ عند المؤمنين حرامُ ) ،
لم يكن هذا إقراراً من الحلاج بكفرهِ بالله ,
بل كفرهِ بتلك الفتاوي التى يبتدعها من يسعون إلى التقرب من قصور الخلفاء والملوك كان الحلاج غريب الأطوار مظهراً , فتارةً يظهر بزي الأمراء والملوك , وتارةً يظهر بزي الفقراء والمساكين , وتارةً بزي الحدادين , وتارةً بزي الجزارين , لم يكن هذا الاختلاف ناتج عن لا شئٍ بل كان يُحبُّ أن يراهُ الناسُ بما أحب أن يراهُ الناسُ بهِ ،
يُذكر أنه فى إحدى المراتِ
حصل لهُ قطعٌ من الوصل الإلهى فشوهدَ مهرولاً باكيا فى بيداء بغداد يحدث الله قائلاً .....إذا هجرتَ فمن لي ! ومن يجملُ كلي !..... ومن لروحي وراحى يا أكثري وأقلي .... أحبك البعضُ مني وقد ذهبت بكلي .....يا كلي كلي فكن لي إن لم تكن فمن لي وما هى إلا أيام قلة حتى بدا ضاحكاً يقول ( لقد أتى الخمرُ الإلهى , فارتشفوا معي ) أُخِذَ على الحلاج كثرة شطحاتهِ وما نتج هذا إلا عن حالات فناءٍ وعشقٍ عاش فيها عمرا كاملاً وليس لحظاتٍ قله وما استمر هذا الحالُ من البحث عن الذات الإلهيه فى الوجوديات الداخليه لهُ إلا أن أنتجت عن حُجَةٍ وجدها معارضو الحلاج للفتكِ بهِ , وفى حقيقة الأمر لم يكن مقتله نتيجة شطحاته جمله الغير مفهومه للبعض ،
بل كان السبب الحقيقى وراء هذا هو سببٌ سياسيٌ !
آتٍ من الخليفه وحاشيته , بعد أن استشعروا خطر التفاف الفقراء حول الحلاج , وهم الأغلبيه العدديه فى دمشق فظنّوا أنهُ يخططُ ربما لأخذ الحكم من الخليفه فكان الآتى هو النتيجه .
مأساة الحلاج :
استمرت مآساة الحلاج فى قتلهِ ثلاثَ ليالٍ بدأت باستدعاء القاضى البغدادي لهُ وسألهُ سؤالاً يبحثُ فى إجابتهِ عن حُجَةٍ لقتلهِ فقال لهُ : أين الله ؟ فأجاب الحلاج : ما فى جبتى إلا الله وكانت الإجابه هى السيف التى نُصِلَ على رقبتهِ بعدها , حيثُ أخذها القاضى ودونها ضدهُ وأعلنها على فقراء دمشق قائلاً بأن حلاجكم قال وإدعى بأنه الله ،
ابوبكر الشبلي
مما أغضب الموالي وجعلهم هم السلاح الذى قاد الحلاج إلى رجمهِ فى اليوم , ولم يُذكر أن الحلاج تألم من رجمهم لهُ بالحصى والطوبِ إلا من وردةٍ ألقاها عليهِ صديقه ( سببا سياسيا ابوبكر الشبلي ) فأخرج توجعا كبير , فسأله بعدها صديقه لماذا صرخت من زهرتى ؟ فما فعلت هذا إلا تجنبا لغضبِ الخليفة على من لا يرجمك ؛ فلم أجد أحنُ من الزهرةِ
فأجابه الحلاج : زهرة من صديق أشد من رجمه من أبليس !
لم يكن رجمُ الحلاجِ هو المأساةَ كلها , بل كان البداية فقط , فى اليوم الثانى اجتمع الجمعُ وكان الأمر هو أن يتم صلب الحلاج على خشبةٍ كانت في بيته فلم يكن رجمهِ كافٍ لإسكاته عن كلمات العشقِ التي كانت لا تزال تخرجُ منه فلم يكُ من صديقه الباكي أبو بكر الشبلي إلا أن سأله : أين العشقُ فيما وصلت إليه ؟
فأجابه الحلاج : هو ما أنا عليه الأن .
ومن العجيب أن الحلاج قد بأن الخشبة التي كان قد صُلِبَ عليها قد تنبأ الحلاج بأنه سوف يصلبُ عليها منذ ما يبعدُ في الماضي بخمس سنواتٍ في حديثهِ مع صديقه أبو بكر الشبلي حين خرج الحلاج في إحدى المراتِ في أسواق بغداد ويردد جملته الشهيره ( بالله اقتلوني .. ) فعند عودته للمنزل قال لهُ حينها صديقه : ماذا تنتظر منهم بعدما تفعل ؟
فأشار الحلاج بنظره
إلى خشبةٍ كانت في بيتهِ وقال سوف يأتوني على هذي ؛ وقد كانت بالفعل هذه هي الخشبه التي قد صلب عليها الحلاج بعدها هذا الموقف بخمس سنوات لم يكن صلب الحلاج أيضا كافٍ لأن تذق الرحمةِ أنينها في قلوبِ من عادوه وقتها ؛ فأنزلوه من الصلبِ ثم قطعا أوصاله الأربعه ؛ تاركين له أن يعاني العجزَ وحده على الأرض ؛ فما كان منه إلا أن وجدوه يتقلّب مبتسما في دمائه على الأرض
فقال أبوبكر الشبلى : ما الذى تفعل ؟
فأجابه الآخر : ركعتانِ في العشقِ لا يصحُّ وضوئهما إلا بالدمِ فى نهاية اليوم الثالثِ قطعوا رأسهُ فانسالت دمائه وكتبت الجمله الشهيره على الأرض والتي لم يكذبها قاصٍ ولا دانٍ ولا معارضٍ ولا مؤيدٍ لكثرةِ الشواهدِ عليها ( لا إله إلا الله الحلاج وليُ الله ) وبرغم هذا فقد أمر الخليفه بحرق جسد الحلاج ونثر رمادها على مآذن جوامع دمشق , وقد كان عاش الحلاج حياةً مريرةً , مليئةً بالقلقِ والبحث عن المستحيل . الرؤيه البينيه للهِ عز وجل بكمالهِ فى أرضِ الفناء ,
ورغم أنهُ من قال
( إن من زعمَ أن الألوهيةَ تمتزجُ مع البشرية فقد كفر , وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) إلا أنها لم تكن كافيه فى عقولِ معارضيه بالزندقه والكفر وقد تركَ إرثاً أدبيا كبيراً , ومن منا لم يتغنى من قبل بقصيدته الشهيره ( والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وحبك مقرونٌ بأنفاسى ) , وقد وترك أعمالا مكتوبه ورسائلاً كثيره , ولكن لم يتبق منها إلا قلة القليل بعد أن أُمِرَ بحرق كُتُبهِ الحديثُ عن هذا العاشقُ الولهان الذى غلب عليهِ لسان حالهِ فتحدث بهِ لا ينتهى ولا تكتفى السطور أن تجمع عنه ما كان عليه وما كان فيه
برغم معارضيه الذين ظهروا فى عصره .
ومن بعده إلا أن الكثير والكثير رأى وأدرك أن الحلاج لم يكن ذلك الزنديق , بل هو ذلك القطب العارف الربانى الذى تحدث بأسرارٍ لم يكن عليه أن يتحدث بها ومن أهم من دافع عنهُ هو الإمام ( أبو الحسن الشاذلى – عبد القادر الجيلانى – المولّي البغدادي – أبو القاسم الجنيد – جلال الدين الرومي – السهروردى – عمر بن الفارض ) فكلهم وأكثر ذكروه صراحةً بدافعٍ واضح وبعضهم دافع عنهُ فى سطورِ قصائدهم كن حلاجا .. سوف تعيش , من ذا الذي قال أن الطريقَ إلى الجنة مفروشٌ بالنوايا الحسن