دقات القلب (3)
كادت تصدمنى سياره وأنا أعبر الشارع لولا صياح الناس، واستطاع أحدهم أن يجذبني بسرعة.. توقف سائقها وصرخ في وجهي: "إنت سكران".. فقد كنت أسير مترنحا أرتجف من فرط الإنفعال والسعادة، فابتسامة الفتاة السودانية ذات عيون الدمية الساحرة لا تفارقني.. أول مرة أري الصباح جميلا وأتنسم هواءه، ويزول الضيق الذي ينتابني حين الاستيقاظ مبكرا.. وصلت البيت وبمجرد أن رأتني أمي قالت: "مالك فرحان ومزغطط؟"..
أربكني سؤالها فقلت لها كل شئ !!
ربما تعجب بي وتسعد عندما تعرف أنني أصبحت مثل الكبار أمتلك حبيبة.. لكنها قطبت حاجبيها وسخرت: "الله الله ده اللي ناقص كمان؟ ده إنت مطلعتش من البيضة، روح إتلهي، وراعي لمذاكرتك وأنا اقول ليه درجاتك الشهرية زفت.. ثم بدأ صوتها يعلو: أكيد سحرتك بت السودانيين دول ناس ليهم في الأعمال والسحر".. ثم تنهدت طويلا وقالت: "حالاقيها منك ولا من أخوك الكبير اللي عاملي محمود ياسين، إيه الخيبة اللي أنا فيها دي يا ربي،
لما يصحي أبوكم يشوف صرفة معاكم ..
لأني خلاص تعبت".. هالني رد فعلها الغاضب، لكن ما أفزعني هو حديثها عن السحر، حيث لا أنسي تلك الليلة التي جاءت فيها جارتنا صديقة أمي وهي تبكي.. اعتقدا أنني نائم في غرفتي فتحدثا بحرية، وسمعت كل شئ.. كانت جارتنا تشكو أن زوجها يفشل دائما كلما اقترب منها، وأنها تفعل له المستحيل، ترتدي القمصان الناعمة الشفافة، وتضع الأحمر والأصفر، وتطبخ له الكوارع ولحمة الرأس رغم أنها لا تطيق دخول هذه الأشياء الي بيتها، لكن بلا فائدة،
لا يستجيب :
وبسبب هذا الفشل أصبح عصبيا يثور عليها وعلي أولاده بلا مبرر أو لأتفه الأسباب، فتحولت حياتها معه إلي جحيم لا يطاق، وأنها بدأت تشك في أن يكون مربوطا بفعل من الملعونة "سمية".. ونصحتها أمي إن تستعين بشيخ مغربي أو سوداني فهم أفضل من يفهمون في فك الأعمال والسحر، وقالت لها إبحثي أولا داخل المراتب والبراويز والأنتيكات الموجودة بغرفة النوم عن أحجبة مخفية.. كنت صغيرا فلم أفهم شيئا من حديثهما..
ماذا تعني الجارة بكلمة فشل زوجها ؟؟
وهو معروف لدي الجميع أنه شخصا ناجحا يشغل وظيفة كبيرة، وله سيارة بسائق، وماذا تعني بكلمة مربوط؟ وأنا أراه حرا طليقا كل يوم!!، وما هذا الرباط القاسي الذي تسبب في عصبيته وأبكاها؟.. "سمية" هي الشئ الوحيد الذي أعرفه، فقد كانت حكايتها فضيحة كالزلزال اهتز لها شارعنا، وهي من سمعت أبي يقول عنها أنها المثال الحي لتحذير الرسول الكريم ﷺ "إياكم وخضراء الدمن".. كانت فتاة لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً،
فاتنة الملامح !
شديدة الإغراء والإغواء، شرسة الطباع، متوسطة المؤهل، من عائلة مفككة متدنية أخلاقيا واجتماعيا، التحقت بنظام العقد المؤقت بالشركة التي يعمل بها زوج جارتنا وتحت رئاسته المباشرة، وسرعان ما تطورت العلاقة بينهما إلي أن وجد نفسه في ورطة كبري كانت كمصيدة حديدية أغلقت عليه بإحكام فلا يستطيع منها فكاكا..