ما الذى يمكن أن نتعلمه من كأس العالم فى قطر على الصعد الأخرى .
لعل أكثر ما لفت نظرى من تلك البطوله الدوليه شيئان رئيسيان أولهما ؛ خطأ المنتخب السعودي الكارثي، وكذالك المشجعين السعوديين والعرب بعد فوزه على الأرجنتين في أول مباراة له في الدورة التمهيدية ، وذلك بأنه شعر وكأنه قد فاز بكأس العالم ــ وذلك على الرغم من فوز تونس أيضا على وصيف البطولة ، والذي كان المرشح الأول لها ، وهو فرنسا ،
وقد تكون فرنسا تعمدت تفويت تلك المبارة:
لدواعي تكتيكية ونفسية ؛ كأن لا يصاب فريقها بالغرورو مثلا ، و من ناحية اخرى كسب ود تونس و تعاطف الشعب التونسي بصفة خاصة والعرب بصفة عامة ، خاصة وأن نتيجة المباراة لم تكن مؤثرة على صعود المنتخب الفرنسي للدور الثاني للبطولة ، وحتى تصدر مجموعته ،
وقد بات كل شيء سهل بالنسبة له ،
وانه قد صار الحصول على كأس العالم في المتناول . وقد زاد سقف التوقعات إذن ، و ربما حتى بما يتعدى القدرات الخاصة ، والمتكاملة ، والمؤهلة ، لإمكانية الحصول على تلك البطولة . ومن ثم فقد حلت النشوة المبكرة بحلاوة النصر ، مصاحبة ببعض الغرور الذي قد لا يستند حتى على أية حقائق على الأرض ، وكما ذكرنا آنفا ،
والاحتفال المبكر بهذا النصر المفخخ ،
و حتى إمكانية تصدر السعودية لمجموعتها . وهنا كان لا بد من وجود إخصائي نفسي عالم في تخصصه ، وذلك لضبط الأمور ، ووضعها في نصابها ، والتهيأة النفسية للفريق ، وضرورة أن ينسوا جميعا هذا الفوز ــ والذي لا شك انه قد أسعدنا جميعا ــ على الأرجنتيتن ، حتى ولو كانت مرشحة للفوز بالبطولة ــ وقد فازت بها الآن بالفعل ــ والنظر إلى المباريات القادمة ،
وعدم الإستهانة بأي خصم ،
و حيث ان بإمكانه أن يحدث فرقا ، أو معجزة ، أو أي شيء غير متوقع على الإطلاق ، وكما فعلت السعودية ذاتها بفوزها على الأرجنتين . لكن شيء من هذا لم يحدث ، وظلت نشوة النصر والفوز على الأرجنتين مسيطرة على الجميع ؛ إعلام ومسؤولين ، ومدربين ، وجمهور ، فُهزم الفريق السعودي في المباراة التالية ــ وكان هذا شيء حتميا في حقيقة الأمر ، وكما ذكرت فى مقال سابق .
ولكن هل توقف المنتخب السعودي !
لحظة لمراجعة الأمور بعد تلك الهزيمة الأولى ، وتأمل الموقف ، والذي بات على المحك بالنسبة له ، ومن زاوية خروجه المبكر من الأدوار التمهيدية لتلك البطولة إذا خسر المبارة التالية له ، والأخيرة في مجموعته ، وعلى الرغم من فوزه على الأرجنتين ؟! كلا لم يحدث هذا بكل أسف . وظلت نشوة النصر مسيطرة على الجميع ، و لم تتزحزح من مكانها قيد أنملة ،
بل ربما قد تطورت إلى الأسوأ
وصارت ككرة الثلج في تعاظمها السلبي وحتى خرج الفريق السعودي بكل أسف من البطولة ، وذلك على الرغم من إنه لا يقل من حيث المستوى أوالقوة البدنية بالمقارنة مثلا بالمنتخب المغربي . والذي كان أكثر توازنا حتى في فرحه بالفوز في أي مباراة فاز بها على الفرق الكبرى ، وكذا في احتفائه مع أولياء الأمور والآباء والأمهات بأي فوز حققه ، وبكل تواضع ، ومن دون ذرة غرور ، وحتى وهو في طريقة إلى الدور قبل النهائي . وربما حقق الفريق المغربي كل ما أشرت إليه سابقا ، بكل حرص ومسؤولية ، فاستحق بجدارة أن يصل إلى ما وصل إليه ، وما لم يصل إليه حتى أي فريق عربي ، أو أفريقي ، أخر في تاريخ المونديال ذاته ،
ومنذ نشأته في بدايات القرن الماضي ،
وتحديدا في 21 مايو من العام 1904. وهل لو كانت السعودية ــ وكما ذكر البعض ــ قد خسرت مباراتها مع الأرجنتين ، كان هناك إمكانية أن تصعد إلى الدور التالي مباشرة ، وذلك من خلال إمكانية فوزها في المبارتتين التاليتن ، أو فوزها في إحداها وتعادلها في الأخرى ؟! ربما !"وثانيهما " الخطأ القاتل للمدير الفني للمنتخب الفرنسي ؛ ديدييه ديشان ، والذي تسبب في خسارة فريقه للمبارة النهائية ، والتي كانت ربما في متناوله .
ولكن كيف هذا ؟
أكثر ما كان يميز المنتخب الفرنسي عن غيره من المنتخبات الأخرى ــ وكذا كل المنتخبات الأخرى الكبرى ، والتي منها البرازيل بطبيعة الحال ــ هو أن دكة الإحتياطي بالنسبة له لا تقل من حيث المستوى أو القوة ــ إن لم تزد ، وهذا ما تبين لنا بالفعل في المبارة النهائية مع الأرجنتين ، وهو ما سوف نعود إليه لا حقا ــ عن الفريق الأساسي ، أو التشكيل الأساسي الذي واجه به ديدييه كل الفرق الأخرى ، في الأدوار السابقة للنهائي .
وعندما نتحدث عن المبارة النهائية لفرنسا
سنجد أن التشكيلة الرئيسية التي اعتمد عليها المدير الفني للفريق قد خرجت مهزومة في الشوط الأول أمام الأرجنتية بنتيجة 2/صفر . ولم تبق بعدئذ سوى 45 دقيقة أخرى لفوز الأرجنتين بالطولة ، أو عودة فرنسا للمبارة مرة أخرى ، ولكن بشرط ! وهذا الشرط ، وباختصار ، قد فهمه المدير الفني ، وأجرى تعديلات أساسية في تلك التشكيلة حتى بخروج جريزمان نفسه ، والذي لا يقل أهمية عن كليان مبابي مثلا ،
والذي كان هداف البطولة
فضلا عن الهاتريك الذي حققه أمام الأرجنتين في النهائي ، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ عام 1966 ــ والمدهش أن البدلاء قد غيروا بالفعل مجرى المباراة ــ حتى ولو كان كلهم من أصول أفريقية ، وكما بدى من لون بشرتهم مثلا ــ ومكنوا الفريق الفرنسي من العودة إلي المباراة ، بل كانوا حتى على وشك تحقيق فوز مباغت على الأرجنتين ، وذلك بانفراد أحد اللاعبين ذو الأصول الأفريقية بمرماها لولا براعة الحارس الأرجنتيني في التصدي لكرته ، أو لركلته للكرة .ويجب أن نقف هنا قليلا لـتأمل ذلك الموقف . وهو لو أن ديشان قد نزل بتلك التشكيلة الذي لعب بها في الشوط الثاني للمباراة ، في بداية المباراة ، فلربما كان فاز بتلك البطولة وهو مرتاح . وهنا يكمن في حقية الأمر خطأه القاتل ، والذي قد لا يغفره هو لنفسه ، وحيث قد تسبب في خسارة بلاده لتلك البطولة .
ومن ناحية أخرى :
فإن الأمر الثاني ، وهذا هو الأهم هنا ، فإننا لو اشتغلنا بنفس المنهج ، والنهج ، في عالمنا العربي ــ وخاصة في مصر المحتلة من قبل العسكر ، وحيث صارت أسوأ الدول العربية على الإطلاق ، وفي كل شأن من الشؤون ، وبما في ذلك كرة القدم ذاتها ــ والذي عمل به ديشان ، وأعددنا صف ثاني ، وحتى ثالث ورابع ، في كل شأن من شؤوننا الحياتية والإدارية ، عوضا عن سيطرة لواءات الجيش على كل مفصل مدني ،
وحتى رؤساء الأحياء والمحافظين
والوزارات ، والسفارات ، وغيرها ؛ لذا فعندما قال زكريا عزمي ــ وهو ما ههو ! ــ أن الفساد وصل للركب ــ وذلك في عهد مبارك ــ في المحليات فإنه لم يكمل عبارته لاكتمال الحقيقة ، و كذا اكتمال تلك العبارة ذاتها ، فيقول مثلا : " والتي يسيطر عليها ، ويحتكر إدارتها ، وعلى نحو حصري العسكر " ! وعوضا إذن عن سيطرة لواءات الجيش على كل مفصل من مفاصل الدولة ، بكل ما هو مؤهل للمكان الذي وكل إليه ــ وذلك عملا بالحديث الشريف : "إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " ، واُعتبر ذلك حتى من باب تضييع الأمانة ، أو كما قال صل الله عليه وسلم ــ لكنا مثلا قد وصلنا إلى مستوى روندا في التنمية أو حتى المغرب الشقيق ،
و حيث كانت كرة القدم :
والمستوى المشرف ، والذي لا شك قد أسعدنا جميعا أيضا ، والذي حققه الفريق المغربي في كأس العالم بقطر ، يعكس ، وبكل صدق ن ومصداقية علمية وعملية ، مستوى النهضة التي وصلت إليه ، وحققته ، دولة المغرب الشقيق في جميع مناحي الحياة الأخرى ، وبما في ذلك المشاركة السياسية ، والحريات ، وحيث بات في متناول المواطن المغربي أن ينتقد ملك المغرب ؛ محمد السادس ؛ الآن ، على أي تصرف يرى انه يبخس من حقه ، أو من حق وطنه ، وبعد أن كان ذلك من المحرمات حتى في عهد والده الراحل الملك الحسن الثاني . إذن فكما أن الرياضة هي ، وكما يقولون : " مرآة حضارة الشعوب " ، فهي أيضا مرآة ، أو " بارومتر " لقياس مدى فساد وعدم شرعية أنظمة الحكم ، ومدى توق شعوب تلك الأنظمة للانعتاق من قبضتها ، ورغبتها في تنسم نسيم الحرية والتعددية السياسية ، أو حتى الإصلاح السياسي ، والتطلع إلى تنمية ونهضة حقيقية ، وليس جمهورية جديدة ورقية ، أو عكس ذلك كله !