recent
أحدث المواضيع

عظيم في عصر العولمة ! بقلم : محمود السعدنى

الحجم

عظيم فى عصر العولمة !!

كان في نية العبد لله ان يطرح على اهل القارة الافريقية اقتراحا بان يكون يوم الخميس 17 يونيو عيدا قوميا في كل انحاء القارة السوداء, بمناسبة اعتزال عمي وسيدي وتاج راسي الزعيم نلسون مانديلا للعمل الرسمي وتفرغه لعائلته الصغيرة وللعناية بقطعة الارض بالوادي يمتلكها وفي نيته زراعتها بالبصل والسبانخ. هذا الرجل مانديلا هو نسيج وحده, فهو مسيح افريقيا وجيفارا افريقيا ايضا. فهو كافح كما لم يكافح احد مثله, وهو انتصر في النهاية كما لم ينتصر احد قبله. وتم دفنه حيا في احقر واقذر سجون العالم لمدة 27 عاما, ومع ذلك لم يركع ولم ينحن, وخرج من الزنزانة الى مقر رئاسة الجمهورية, 


الرجال الفاسدين !

وهي معجزة حقيقية خصوصا انها حدثت في عصر العولمة وآليات السوق وحلف الاطلسي, وتتضاعف قيمتها لانها حدثت على ارض افريقيا, الارض التي انجبت رجالا من امثال تشومبي وموبوتو سيسي سيكو وبوكاسا وسانا اباتشا. وكان مانديلا هو افضل اعتذار عن انجاب مثل هؤلاء الرجال الفاسدين الذين اكلوا الاخضر واليابس, والذين امضوا العمر كله في التكويش والتحويش, ثم ماتوا بعد ذلك ميتة الكلاب كما حدث مع موبوتو بعكس البطل مانديلا الذي انفق حياته كلها ولم يأخذ في المقابل شيئا, سوى حب الملايين من افراد شعبه, واحترام كل ابناء ادم الذين يعيشون على كوكب الكرة الارضية. والحق اقول ان مانديلا اذا كان هو العلم الخفاق على النضال من أجل المبادئ والمثل, فهناك اخرون بدؤوا حياتهم على نفس الطريق ولكن ليس بنفس القدر.


مناضل عربى :

 ذكرني بهذه الحقيقة خطاب تلقيته هذا الاسبوع من مناضل عربي لايزال يعيش بعيدا عن مسقط رأسه منذ 37 عاما كاملة. المناضل اياه اسمه عبدالهادي البكار المذيع المعروف والمواطن في دولة الجمهورية العربية المتحدة. واذا كان مانديلا قد قضى اغلب عمره في السجن داخل بلاده, فالعبدلله يعرف عشرات ومئات من العرب قضوا اغلب العمر في المنفى, وهو اقسى الف مرة من السجن, عمدة هؤلاء المشردين هو المرحوم المناضل التونسي ابراهيم طوبال الذي اسلم الروح على سرير بأحد المستشفيات الجزائرية, يعاني من الوحدة والسرطان ويرنو جعينين مريضتين عبر حدود بلاده الى تراب الاسلاف. 


النضال فى المنفى .

ومن حسن الحظ ان زميله في النضال وفي المنفى الوزير السابق يوسف الرويس لم يحدث له ما حدث للمناضل طوبال, اذ سمح له الرئيس بورقيبة بالعودة الى مسقط الرأس قبل موته بفترة قصيرة وأشهر هؤلاء المشردين العرب هو الرئيس السوري الاسبق الفريق امين الحافظ الذي دخل السجن عقب سقوطه من السلطة, حيث قضى اعواما في سجنه قبل ان يغادر بلاده في العام 1967, حيث ذهب الى بغداد وأقام فيها لمدة ثلاثين عاما, يعاني من الامراض ومن بعض زملائه الذين هربوا من بلادهم ومارسوا النفي بمزاجهم ليس من اجل مبدأ او قضية ولكن بحثا عن عيش افضل! 


الأمثله كثيره :

وبرالشام الذي يبدأ من الحدود المصرية ويمتد الى حدود تركيا له سوابق عديدة في ممارسة النفي ومنذ نهاية القرن الماضي وبداية القرن العشرين. وكانت مصر هي الملجأ والملاذ وقد اسهم الشوام المنفيون في تطوير الفنون المصرية وفي تأسيس الصحافة المصرية الحديثة. بعكس المصريين الذين لم يعرفوا الطريق الى المنفى الا بالنسبة للزعماء الكبار امثال عرابي والنديم ومحمد فريد زعيم الحزب الوطني وسعد باشا زغلول وصحبه من زعماء الوفد المصري. ولكن في السبعينات وفي عهد الرئيس انور السادات, جاء وقت بلغ فيه عدد المنفيين المصريين عدة آلاف, كان اغلبهم من الكتاب والادباء والصحفيين وعدد من السياسيين.

الكتاب والادباء .

وفي الوقت نفسه انتهز الفرصة عدد من الارزقية فهربوا من مصر ولجأوا الى بعض البلاد العربية والاوروبية ليس من اجل هدف او قضية, ولكن بحثا عن الرزق الذي يحب الخفية! وكان اشهر هؤلاء الكتاب والادباء الذين هربوا من مصر طلبا للنجاة بحريتهم وحياتهم الشاعر عبدالرحمن الخميس والناقد محمود امين العالم والمؤلف المسرحي الفريد فرج والصحفي المشاغب سعد زغلول فؤاد والسياسي المحترف ميشيل كامل ولكن الامر المؤسف ان الشاعر الفنان عبدالرحمن الخميس مات في منفاه دون ان تهكتحل عيناه برؤية الوطن مرة اخرى. وبالرغم من التشرد والمحنة الا انني ضحكت ذات يوم عندما تلقيت رسالة غريبة من شاب في السابعة والعشرين, ولم ينس ان يدس صورته في المظروف. 


الأمم المتحدة :

وقال الشاب في رسالته انه من سكان حي شبرا وخريج معهد التعاون منذ عامين, وانه سافر عن طريق البحر الى ايطاليا, وقضى فترة من الوقت يعمل في بعض المطاعم, ثم (اكرمني الله ونجحت في تسجيل نفسي كلاجىء سياسي تحت مظلة الامم المتحدة, واعيش الان في سعادة غامرة) وطلب من العبدلله نشر صورته على صفحات مجلة (23 يوليو) التي كان العبدلله يصدرها في لندن مع المرحوم محمود نور الدين السيد. وبالطبع كان يريد الاخ اللاجىء السياسي نشر صورته لكي يرسل نسخة من المجلة الى السيدة الحاجة والدته لكي تفقع زغرودة ابتهاجا لحصول ولدها على وظيفة محترمة في اوروبا! ويبقى بعد ذلك سؤال وجيه يجب طرحه في هذه المناسبة. متى تختفي هذه الظاهرة المؤسفة من العالم العربي؟ عراقيون في سوريا وسوريون في بغداد وسودانيون في القاهرة وجزائريون في المغرب ومغاربة في الجزائر. 


متى نشهد عصرا جديدا :

 في العالم العربي يختلف فيه العربي مع حكومته دون ان يضطر الى مغادرة الوطن؟ واعتقد ان هذا الحلم سيتحقق اذا توفرت بعض الشروط, ان يكون اصحاب السلطة في العالم العربي يحتلون مواقعهم برغبة الناس وباختيارهم الحر, وان تصبح الحركات السياسية العربية ناضجة الى درجة عدم استخدام السلاح في العمل السياسي وان تكون الممارسة السياسية من الجميع بشرط استخدام القلم واللسان في الحوار وعدم استخدام المسدس والمطوة قرن الغزال, ويا اسفي على عميد المشردين العرب المذيع اللامع عبدالهادي البكار الذي يحلم بيوم يعود فيه الى ارض الوطن. المواطن العربي الذي استهل خطابه للعبدلله بعبارة (الصديق العزيز المعتق الاخ محمود) وفي الحقيقة العبدلله يعرف الصديق البكار منذ زمن طويل. 


حرمان الانسان .

وخلال هذه المدة جربت السجن مرتين والنفي لمدة مائة شهر. واشعر بلوعته ومرارته, فليس اشد مرارة على النفس من حرمان الانسان من وطنه. هذا الحرمان الذي يكابده الصديق عبدالهادي البكار ويصفه بقلمه (لقد مضيت اتابع خطاك طيلة السنوات الاثنتين والخمسين منذ التقينا معا لاول مرة, رغم انني منصرف الى الاعتكاف الفواح بنكهة الزهد وربما التصوف منذ عشر سنين, اعاقر الصمت والتأمل والسكينة, منكبا على المطالعة المبرمجة, خمس عشرة ساعة على الاقل نهارا وليلا دون انقطاع. أسأل الله ان ينقذ عبدالهادي البكار من صمته ووحدته وان القاه على ارض وطنه كما لقيته منذ 52 عاما في دمشق. والف تعظيم سلام للمعلم والقائد والزعيم الانسان العظيم نلسون مانديلا, فاكهة عصرنا والمثل الاعلى في زماننا والعلم الذي سيظل يرفرف الى زمن طويل على القارة السوداء!.

google-playkhamsatmostaqltradent