recent
أحدث المواضيع

شوقى عقل يكتب : هزيمة المجتمع المدني الشعبي في مصر !!

 

هزيمة المجتمع المدني الشعبي في مصر !!

حدثت عقب تجريده من كل أدواته السياسية بقرارات عبدالناصر في مارس ١٩٥٤، ثم تأكد وتكرس بهزيمة يونيو وبدء الحقبة السعودية، تم تحويله إلى كم كبير مهمل لا قيمة له على مدى عقود، لم يخرج منها إلا في حقبة يناير الثورة لشهور، ليعود بعدها إلى ما كان عليه، بل واسوأ!

هذه الهزيمة تجلت في الكثير من المشاهد الدالة:

 إبتعاد الشعب عن السياسة بكافة صورها، وعدم مشاركته إنتخابات المجالس النيابية أو إستفتاءات إعادة تنصيب رئيس الجمهورية الدورية التي تإخذ أحيانا شكل إنتخابات! والإكتفاء بالفرجة والسخرية. وهو موقف أمتد منذ لحظة قتل الحياة السياسية وحتى الآن بإستثناء أيام يناير المشرقة.

 من خلال هامش ضيق مسموح به.

 مارست النخب المثقفة مشاركتها السياسية، تحت رقابة مشددة وصارمة من أجهزة أمن دولة يوليو البيروقراطية، التي كانت تشترط إعلان موافقة تلك النخب المثقفة المسبقة على الخطوط السياسية العامة والمحددة للدولة.  طفت إلى السطح ظاهرة الأحزاب السياسية الديكورية، التي تعمل وبالتعاون مع أجهزة الأمن، ومنها أحزاب ذات تاريخ وطني كبير. كانت تلك الظاهرة تتضمن حالة من الإنتهازية السياسية الفجة.

مظاهر الثقافة الشعبية التقليدية !!

- تم رفض وإدانة مظاهر الثقافة الشعبية التقليدية وبعضها موغل في القدم، مثل إحتفالات شم النسيم والموالد والسبوع والختان وعاشوراء والمولد النبوي وإستبدال بعضها بعادات وممارسات بدوية قادمة من الجزيرة العربية، فالسبوع أصبح عقيقة، والموالد (حرام) شرعا، وشم النسيم عيد وثني. ذلك بالطبع تم بصورة نسبية طبقا لقدرات ومدى إنتشار نفوذ الجماعة السلفية في المناطق المختلفة.

 المرأة وقضاياها الفرعية :

أصبحت المرأة وقضاياها الفرعية والأساسية قضية أساسية في وعي المواطن والمجتمع. ملابس المرأة، الحجاب، تعليم البنات، عملها، سن زواجها، حق الزوج في الزواج ثانية، خروجها من المنزل، طاعتها لزوجها أو ولي أمرها عامة.. أنشغل المجتمع وأجهزة إعلامه ورجال دينه وصحفه بتلك القضايا. الطبقة الوسطى، خاصة من كونت ثروتها من الخليج، تمسكت وتداولت تلك القضايا بإعتبارها قضايا شديدة الأهمية.

البيروقراطيه والنخب !!

 أكتسب المجتمع صبغة محافظة ظاهرية، فمن ناحية، شهد المجتمع علاقة شديدة الإرتباط ما بين الجهاز البيروقراطي المهيمن، وما بين النخب الرأسمالية الجديدة، من خلال علاقات الفساد. عمولات، بيع مؤسسات شديدة الربحية بأسعار دفترية تعود إلى بضع عقود، وليس بقيمتها السوقية الآنية! أراضي نائية، يشتريها مستثمر (واصل) ، تهتم بها الدولة فجأة وتشق فيها الطرق وتمد إليها الخدمات، وتتوالد المليارات من الملاليم! قروض بالمليارات! أحتاج هذا الواقع شديد الفساد إلى حالة من التدين شديدة المبالغة! كلما زادت حالة الفساد العامة، كلما زادت جرعة التدين الظاهرية. كانت تلك أيضا سمة المجتمع الشعبي عامة، في كل مستوياته!

المجتمع المدنى الصفرى ؟

 عدم وجود حياة سياسية (طبيعية) أدى إلى تحول المجتمع المدني إلى تكوين تابع يسبح مع التيار السلطوي! لم يجد السادات صعوبة في التحول الكبير! بالمثل مبارك! أصبح المجتمع المدني (الصفري) قابل لأي تغيير يقوم به القائد.بعد نهاية عهد التوجه (القومي) الناصري، ومجيء السادات، لم يعد هناك ما يمكن تسميته بهوية مجتمعية! طرح السادات وبعض المثقفين الهوية (الفرعونية) بديلا! ثم طرحت قوى الإسلام السياسي في الفراغ الهوياتي، الإنتماء الإسلامي كهوية! بالمثل للجماعة المسيحية. فقد المجتمع هويته الوسطية التقليدية، الهوية المتعددة المشارب بحسبان الطبيعة التاريخية للموقع والحضارة ذات الأوجه المختلفة، وتعاقب الغزاة والامتزاج الذي حدث معهم. كان ذلك عاما لدى الطبقة الوسطى، بينما، ولحسن الحظ، فإن الإنتماء (الطبقي- الوطني) ظل سائدا لدى عامة الشعب من الفقراء.

الفساد والأستبداد !!

 لينشغل المجتمع بقضايا تغطي حالة الفساد المقنن والإستبداد السائدين، وتأكيدا لقشرة دينية سطحية كانت أجهزة الدولة تدفع إلى السطح بقضايا مثيرة أعلاميا،  مثل قضايا التحرش- بنات التيك توك- شبكات الدعارة - قضايا المثليين- الجرائم الفردية-  الرشاوي- الشيعة - الملاحدة- الفتنة الطائفية...الى أخر تلك القضايا. بينما كانت قضايا السلفية تتناول مسائل  الحرام والحلال- الربا والبنوك- النقاب - الحجاب- عمل المرأة - خروج المرأة- ملابس المرأة- زيارة القبور- التماثيل- الشعائر.اختفت قضايا التنمية وإستقلال القرار الوطني والتبعية والبطالة والحريات والأخطار الخارجية والديون و الأمن والتصنيع والإقتصاد والمستقبل والهوية تحت هذا الركام الهائل.

الثقافات والثروه :

- سادت ثقافة شعبية سوقية رخيصة تعبر عن حاجة الواقع الشعبي لحلم الخلاص والحصول على الثروة، وتجسيد ذلك الحلم في شخص (الشبيه للنمط الشعبي) مثال الممثل محمد رمضان الذي يتباهى بسياراته الفارهة وطائرته وملايينه، في إستدعاء  ذكي لذلك الحلم- الإستبدال، وكذلك الترويج لبطل كرة القدم العالمي محمد صلاح كحالة مثيلة. كان ذلك أمام إنسداد حقيقي يواجهه الشاب في سعيه لتحقيق أحلامه في الحصول على حياة كريمة.

الشخصيه المصريه .

نتيجة لتشعب النظم والقوانين وكثرتها وتعارضها أحيانا وطول مدى البت في القرارات المنظمة للعمل والحياة والبناء وتغير تلك القوانين والنظم وعودة الدولة عن قراراتها في بعض الأحيان، نشأت حالة من البلادة والبطء في ردود الأفعال تجاه تلك النظم، والإستجابة البطيئة لها وعدم التصديق، مما أكسب الشخصية المصرية (الموظفة) روح وسمة تلك النظم وبطئها. تم التركيز على روح الشوفينية الوطنية المصرية، الخالية من اي مضمون حقيقي، وذلك تأكيدا لإنسحاب مصر من قيمة موضعها وتاريخها وطبيعة أمنها الذي حدده ملوك عظام ألفي سنة قبل الميلاد، الذين رأوا امتداده إلى شمال سورية الكبرى شرقا، ومشارف دنقلة جنوبا وخط حدود الصحراء الكبرى غربا.

 غياب المجتمع الشعبى ؟؟

في غياب المجتمع الشعبي وتركز الاستبداد، ضاقت الحلقة وتمركزت في بؤرة الحفاظ على النظام القائم، مكاتب واجهزة إتصالات وقوة مسلحة تدير الشريط الضيق للوادي، لا أكثر.ما ذكر قليل من كثير، أو كما يقال غيض من فيض، أتوقع أن نكون بحاجة للإستزادة منه.نحن نشهد الآن عودة المجتمع الشعبي إلى وعيه بنفسه ووجوده عبر هذا الكم من الفعل السياسي الأوّلي، المتمثل في إستمرار باب السجون مفتوحا!  تلك قيمة كبيرة إن كان الصمت الموات هو البديل!  هو وجود بالسالب كالعادة عقب كل هزيمة كبرى، يعقبه حتما وجود إيجابي فاعل يمتلك مبادرة العودة إلى ما كانت مصر عليه قبل يوليو ١٩٥٢، حالة شبيهة ببدايات النهضة الكبرى في الايام التي سبقت ثورة ١٩١٩.

google-playkhamsatmostaqltradent