بعينى رأيت ذئباً يحلب نملة ويشرب منها رائق اللبن !
"بيت شعر" غريب نوعا ما ، يتناقله الناس على أساس الفكاهة والسخرية، والكثير لا يعرف معناه الحقيقى أو قصته . فهل الذئب يستطيع أن يحلب نملة؟ وهل النملة لديها حليب أصلا؟!وما كمية حليب النملة يكفى ؟هل فكرت فى تلك الأسئلة عندما قرأت بيت الشعر؟! " هل تعرف " أن بيت الشعر لأحد عمالقة الشعر العربى وأجزلهم لفظا وأحسنهم نظما وأعظمهم شأنا . إنه الشاعر " ابو الطيب المتنبى " : قالوا زمان إذا عرف السبب بطل العجب، فقبل أن تتعجب هيا بنا لنتعرف كيف الذئب يحلب نملة
يقول المتنبي .
كنت في احد أسواق الكوفة واقفا قرب امرأة فقيرة تبيع السمك. فجاء رجل غني جدا انا اعرفه ويرتدي ملابس غالية الثمن تدل سيماه على الغنى الفاحش. قال للمرأة : بكم رطل السمك؟ فقالت له : بخمسة دراهم يا سيدى قال لها بتكبر : بل بدرهم للرطل الواحد .!! فقالت له باستعطاف : أنا امرأة فقيرة ، والسمك ليس لي بل لرجل أبيعه له فيعطيني ما قسم الله لي .
فقال الرجل الغني باستعلاء :
بل بدرهم ليس أكثر فقالت المرأة بقلة حيلة : بل بخمسة دراهم فقال الرجل الغني وهو يشير باستخفاف : أوزني لي عشرة أرطال، فأعدت له المسكينة عشرة أرطال من السمك على أمل أن تحظى بالثمن كاملا ، فأخذهم الرجل منها بقسوة، ورمى عليها عشرة دراهم وذهب مسرعا، فنزلت دموع المسكينة وأخذت تنادى عليه فلم يجب .
يقول المتنبي ..
فناديت عليه بنفسي فلم يجب، لقد كان ذئباً في غناه وبخله ولؤمه، وكانت نملة في ضعفها وفقرها.وأنشد يقول : بعيني رأيت ذئباً يحلب نملة .. ويشرب منها رائق اللبن ..كم من الذئاب تنتشر بيننا اليوم وتستقوي وتبخس برزق الفقير والضعيف ؟