حكاية من الذكريات : دقات القلب (2)
يبدو أن بداخلى نفسا شريره فعندما اختفي بائع الفول تمنيت لو أنه قد مات حتي لا توقظني أمي مبكرا.. اقتربت من الواقفين وسمعتهم يتهامسون: ربما قبضوا عليه ورحلوه الي السودان، حيث أكد أحدهم أنه شاهد سيارة شرطة تقف أمام بيته.. بعد لحظات جاء رجل وأوضح الخبر اليقين.. البائع تعرض لأزمة صحية ونقلوه إلي "المستشفى"، وهناك نصحوه بالراحة التامة، وبدءا من الغد ستتولي زوجته عملية البيع..
وفى اليوم التالى .
كانت عربة الفول، في مكانها المعتاد لكن وراءها إمراة في عمر أمي قمحية اللون وترتدي ثياباً سمراء.. كانت تمسك الأطباق وتغرف الفول بخفة كأنها محترفة، وبجانبها 'صبيه' صغيرة تقاربني في العمر . يبدو أنها ابنتها لكن لم أتبين ملامحها جيدا ولم أهتم.. فقد كان اهتمامي ككل يوم هو التسلل بجسدي الصغير وسط الزحام الشديد حتي أكون واقفا أمام البائع مباشرة، ثم أشب وأتقافز علي أطراف أصابعي وأصيح ،،
والنبى تدينى أنا الاول عايز الحق المدرسه !
.. كان يستجيب لي ليتخلص من إزعاجي، لكن هذه المرأة لم تبال بصياحي، أما الفتاة الصغيرة فانتبهت ورفعت رأسها نحوي فتبينتها بوضوح.. بشرتها شديدة السمار، عيناها واسعتان صافيتان لامعتان تبربشان بسرعة أشبه بعيون الدمية، ما ذكرتني بالموقف المحرج عندما أخذني أخي الكبير الي السينما الصيفي لمشاهدة فيلم "30 يوم فى السجن "، كانت أول مرة أدخل السينما،
مديحه كامل :
وعندما ظهرت الممثلة " مديحه كامل " في لقطة زووم علي الشاشة الكبيرة صحت بصوتي المسرسع: "ايه الست دي؟ عينيها عاملة زي اللعبة اللي عندي".. نظر المتفرجون نحونا ثم ضحكوا، وشعر أخي بالخجل.. لكن هذا الصباح وأنا أمام عربة الفول حدث لي شيئا عجيبا كان فوق قدرتي علي الاستيعاب.. عندما ابتسمت البائعة الصغيرة في وجهي وتلاقت أعيننا إنتابتني أحاسيس لم أشعر بها من قبل..
الأشجار والبيوت والسيارات !
ارتجف شئ في صدري، وجف حلقي، وفقدت النطق فتوقفت عن الصياح، وسمعت طرقات عنيفة.. كان قلبي الصغير يدق بقوة دقات سريعة متلاحقة.. ثم فجأة أصبح كل شيء وكأنه حلما أو خيالا.. الأشجار والبيوت والسيارات وعربة الفول كتلا ضبابية، والناس الواقفون حولي خيالات أو ظلال، والكون صمت مطبق وفراغ هائل ليس به سوي الفتاة.. لم أدر ما حدث لي، ولم أعرف له تفسيرا.. كان سحرا لا حدود له ....