قصة قصيرة : بقايا الليل
لم تكن أنثى عادية وقد ظهرت في حياتي بشكل استثنائي مفاجيء وفي وقت عصيب ، كان كل شيء فيه عندي مضطرباً ولا معقولا ويكاد يكون عبثياً ولكنها كما لو كانت مفاجأة قدرية ملطفة للبراكين التي تحاصرني وتفتح ليّ فوهاتها ، كي ما تلقفني عند أول اهتزاز على الخط الدقيق الذي كان عليّ أن أسير فوقه ، فوق فوهات البراكين .
كانت تدهشني مفاجآتها :
وقدرتها على صنع تحولات الحياة في وقت قصير وبشكل سهل سلسل وبلا تعقيد في الفعل ، أو التحسب من إنعكاس الفعل على الآخرين ، أو ماذا سيكون حجم رد فعلهم الغاضب على الفعل الذي تأتيه ببساطة ؛ فقد كانت اذا تمنت ورغبت فعلت .وكانت مفاجآتها تدهشني وتسعدني وما تصورت يوماً أن تكون مفاجآتها مصدراً لتعاستي كما كانت دوماً مصدراً لسعادتي ، فقد كانت تشع طاقة تحيل الكوارث إلى مجرد أزمات ، وتحول الأزمات إلى مادة للفكاهة والتندر ، حتى أثناء حدوثها ، وكانت تزهر الورود من بين ثنايا حركاتها التلقائية التي تأتيها في الحيز الواسع من الفضاء ، الذى كان يتسع مع حركتها ومع وقفاتها أيضاً .
كانت قد أعطتني درساً عميقاً !
بشكل مباشر وبسيط أيضاً وقد تشبعت ما قالت ليّ وقد صار جزئا من فلسفتي ونهجي في الحياة وكانت هى التي صاغته ليّ دون تحزلق عليٌ فقد قالت ليّ وسط حوار عادي وبينما نتمازح ونتغازل : " يختار الانسان قدره ، وإلا ما حوسب في الآخرة ، وما حوسب على الخطأ في الدنيا والآخرة ، ولو لم يختار الإنسان ويصبح له الحق في الاختيار ؛ لسقطت معادلة الوجود الأولى ولو لم يحاسب الإنسان على الخطأ مالم تسبقه توبة وغفران من الخالق ، لسقط الشطر الآخر المتمم لمعادلة الوجود والخلق والاله الخالق" . لقد دهشت حينها من قدرتها على تلخيص فكرة الخلق ؛ عند الخالق والمخلوق ، وتعجبت ، كيف حصلت على كل هذا النضج في مثل هذا العمر القصير ، بل ماذا قرأت وما هى التجارب التي أنضجتها هكذا !!
وتحسبت بعدها من خطورة عقلها ، عليها !
بقايا الليل ؛ فلربما يأتي الفجر بعد ذلك مبكراً فنكون شهود ميلاده بلا غفلة ولا غفوة نوم !! " . بعد ذلك لم تأتي بأي فعل أو قول مدهش ؛ بمن يصل إلى قمة التوهج مبكراً في الحياة ؛ يمل الحياة مبكراً ، وربما ينهي حياته بيده ، وينتحر ، بعد اكتئاب معذب لصاحبه .وقد فاجأتني ذات مرة ؛ وقالت بعفوية ، إذ توهجت بلا ري أو إطفاء : "دعنا نشعل النار فيدر هذه الجملة وتأثيرها في حياتي ؛
حتى تركتني !!؟
فجأة في تحول من تحولات حياتها وفاجأتني بإختفاء تام من حياتي ؛ بعد أن صنعت المعجزة وقد أكدت ليّ وأثبتت من خلال الفترة التي عشناها معاً ، بأن الحياة حافلة بقدر لا نهائي من المبهجات التي تستحق أن تُعاش بدون ذرة رفض أو اكتئاب . وقد ظلت معجزتها حاضرة ، كقديسة تتوالى معجزاتها بعد رحيلها ، وكانت ذروة مفاجآتها عندي ، هو قدرتها المحققة على إدهاشي بعد إختفاءها ، بأكثر من قدرتها على إدهاشي ، عندما كنا معاً ، فظلت دائماً صابغة حياتي بصبغتها هى التي لا تمحى ، مهما توالت الأيام والسنوات ، في ثبات لوني خالد .