معارك الخوف والوعى تسبق السياسه !!
الاستاذ ابراهيم خالد صديق قديم، انقطعت عنى رسائله، فجأة أرسل لى "بوست" يرى ان سبب أزماتنا هم حيتان مصر ، ويطالب فيه بتأميم الحيتان (رجال المال الذين اثروا على حساب الشعب) كحل للازمة الحالية. انسابت يدى بلا تفكير مسبق فى الكتابة معلقا على ماكتب وارسل:
ماهو اللى بيحصل ده تأميم (سرقة) لكل الناس يا"ابوخليل".
التأميم بلا داع وبلا إدارة أمينة وخبيرة هو سرقة مقننة فليس كل ثرى معلوم مصدر ثروته بلص. نحن بحاجة لنهضة شعبية ثقافية. اكتشفت اخيرا بعد مايقرب من سبعة عقود ولت، ان معركتنا ليست سياسية فقط بل هى معركة الوعى فى الأساس.. معركة العلم والمعرفة.. محاربة الجهل والخرافة والموروث المكبل (بكسر الباء)، وأى معركة مهما كانت من حقنا وواجبة علينا نخوضها بغير وعى فلابد ان نخسرها. وهذا مايحدث. غياب الوعى يؤدى إلى تنمية الجهل، وانجاب انصاف المثقفين، فتكثر الفتن والمزايدة والانتهازية واثبات الذات على حساب الوطن.
يعن لى سؤال: لماذا انتصرت الثورات فى بلدان غيرنا وانتكست عندنا؟!
عندهم كان الوعى يقودها وعندنا كان يقودها العاطفة من ثلة نقية سطا عليها الانتهازيون، اتحدوا وعملوا عزبة خاصة بدلا من دولة حرة عامة لكل الشعب. عندهم كانت تنهل من تراث فكرى لمفكرين عظام. كان المثقف العضوى اهم اركانها. وكان لدينا المثقف المغيب (بفتح الياء وهو من يغيب نفسه، وكسر الياء وهو من يغيب الناس)، هو من يرى بعين السلطة ويدرك بقلبها ويكون يدها وبوقها، ولا يرى إلا ماتراه.
المثقف المغيب أخطر انواع المثقفين !!
متمكن من ادواته كما يتمكن سرطان الدم من نخاع فريسته فيقضى عليها. إنه داء عضال، عنصر خصم وليس عامل إضافة نفعية. المثقف المغيب صار ظاهرة فى مجتمعاتنا العربية؛ منظر لكل شيء، الشيء ونقيضه، طبيعى ان تتعثر الثورات فى خضم التناقضات. المثقف المغيب تركيبته النفسية غير سوية، تميل للخنوع لا للحرية، يفضل ان يعيش فى كنف كفيل بدلا من أن يعيش حرا مستقلا. المثقفون المغيبون رحيلهم يسبق رحيل الحكام، هم قاعدة الفساد فى تأسيس الأستبداد وتقنين كل جريمة وتزين القبح. لذلك لم تنتصر الثورات لدينا لوجود هؤلاء. المشكلة ان ثوراتنا تهدف لإزاحة الحاكم فقط، وتترك السياسات والمفكرين المرتزقة لكل العهود، انهم المفكرون المغيبون.
خلاصة الحكاية المؤلمة !!
ان الاستبداد هو صناعة فرد فى تغييب شعب، ولا يغيب (بضم الياء) الا الجاهل، والديمقراطية صناعة شعب واع يعرف الاختلاف ويقدره، ويدرك مصلحة الوطن ويعليها، يعرف أن المعارك السياسية هى مباريات رياضية وليست معارك قبلية ثأرية تتطلب الانتقام بالتصفية الجسدية، وتؤمن بالقاسم المشترك بين افراد الشعب وليس بفرض الرأى من القوى على الضعفاء. وأسوأ واخطر مايواجه وطن هو تنمية روح المخالفة، لا الاختلاف، وتجذير ثقافة الانقسام على أساس وطنى أو دينى او طائفى، كلهم من اجل غرض انتهازى لخدمة مصلحة كل فصيل. ولا يعنى هذا محاربة الدين بل محاربة الإرهابيين.
علمتنى السنون الحالكة :
انه لن ينتصر شعب منقسم على سلطة مستبدة. مهما بلغت قوة الفرد ونبله وحبه لوطنه وشجاعته واخلاصه فإنه يستطيع أن يخوض معركة وطن، يسجل فيها موقفا شخصيا يبرئ ساحته ويريح ضميره بفعل ماعليه من واجب لكنه لن يسجل نصرا وانتصارا لوطن، وطن بحجم مصر لن ينتصر له إلا عموم المصريين بإخلاص وإنكار للذات، وفوقهم علم ومعرفة يقودهما وعى رشيد. الثورات التقليدية اراها ولت فى ظل التعقيدات والتكنولوجيا الحديثة، يمكن الاستفادة منها فى الحشد السلمى كحائط صد وآداة ضغط، الثورات حاليا صارت علما لتغيير الدول للافضل فى غياب الجهل والزيف وحضور الوعى.
المعارك الرياضية !؟
بغياب قوانين الرياضة أو عدم الالتزام بها، وغياب حكام عدول تتحول لمعارك ثأرية قبلية، يفوز فيها الأقوى وليس صاحب الخبرة الأكبر والمهارة الأعلى. السياسة هى رياضة فكرية ذهنية مماثلة للرياضة البدنية، وهى اقرب لمباريات كرة القدم، فيها علم وتخطيط وتدريب والتزام بالقوانين وحكام عدول. إن غابت لوازم الرياضة البدنية فى السياسة صارت بلطجة ومعركة فتوات، والانتصار للبلطجى الأقوى.
السلطه والثوره والنفوذ ؟
عندما يتمكن منا داء عضال علينا بالبحث عن علاج افضل بعلم أفضل.. كلامى قد يكون هرتلات قبل الفجر بعد استيقاظ إنسان قلق على غده فى آواخر عمره، كل مايرجوه مدفن آمن اى قبر آمن فى بلد مستقل مستقر آمن، قبر لايزال (بضم الياء) لبيع أرضه بعد دفن صاحبه.. هكذا تتقزم احلامنا ويزداد قلقنا فى الحياة وفى الموت. من منا آمن ياصديقى؟! ولا واحد بمافيهم اصحاب السلطة والثروة والنفوذ. الكل يخاف من الكل.. الكل عبيد فى دولة الخوف.. فاصرخ معى " لا" لا لن نستسلم للخوف.. لنقولها مرة واحدة ونموت، إن نطقناها مرة غادرنا الخوف مرتعشا منا، ونمنا مطمئنين فى البيت أو فى القبر او فى الزنزانة.. نمنا احرارا. معركة الخوف من اخطر المعارك التى تصيب الإنسان.. أخطر من السرطان، من ينتصر على خوفه ويتحرر منه يتحرر من كل مايستعبده. معركة التحرر من الخوف مهمة لتحرير الوطن، ولاتحرير لخوف بدون وعى.
مخطئ من يزعم او يدعى انه يدافع عن وطن !؟
كل يدافع عن نفسه ليكون حرا كريما فى وطن حر مستقل، وطن بحجم مصر لا يدافع عنه ولا ينتصر له إلا عموم المصريين، وليسوا أفراد او جماعات، والشعب هو عموم المصريين. لا حرية لمواطن فى وطن محتل، ولا كرامة لمواطن فى وطن مهدد بالبيع والتفريط. من يدافع يدافع عن نفسه وعن كرامته وعرضه ومن يصمت يفرط فى حق نفسه ومستقبل احفاده، ويساهم فى شدة الظلم وقسوة الاستبداد وتعطيل مسيرة التقدم. من لاوطن حر له، لاكرامة له مهما بلغ من ثراء. يمكن للثرى ان يشترى جزءا فى الفضاء لكن لايمكن ان يشترى ذرة كرامة وهو ضعيف مهدد، لأنه لن يستطيع ان يحميها ولن يحافظ عليها مؤقتا.
الثراء لايعنى القوة !!
بل القدرة على الشراء، الكرامة هى القوة والعزة، والحرية هى الحياة، والعلم هو قاعدة الانطلاق للتقدم والوعى هو المرشد. التغيير الثورى يمكن ان يتم بالوعى من خلال المثقف الثورى كما قامت الثورة التكنولوجية الحديثة بالعلم وغيرت كل ماسبق واحدثت ثورة فى عالم الاتصالات ونقل الاعضاء وغيرهما. يلزمنا تعليم وعلم ومعرفة ووعى باستخدام كل تلك الأدوات لعمل ثورة تغيير جذرى للأفضل بسلام ودون إراقة دماء، وطرد كل مستبد واجب، إنه احد اهم معوقات النهضة.
المعارك الثورية بغير وعى تقودها :
الى فوضى ومعارك قبلية وطائفية، تنتصر للقبيلة والطائفة على حساب الدولة فيضيع الوطن. الثورة فعل عاقل يبنى ولا يهدم، ولكل زمن أدواته. المعركة الثورية هى تغيير سياسات لاتغيير قيادات فقط. فى النهاية زاد الكيل وطفح، ووجب رفض الذل والظلم والاستبداد والسياسات التى اغرقتنا فى الديون وحولتنا لمتسولين "علنا". مصر فى هذا العهد الزنيم صارت دولة متسولة رسميا مثل البلاد الفقيرة جدا، حكومتها وقعت وثيقة تسول لاستلام أضاحى عيد الأضحى المبارك من آل سعود لتوزيعها لحما على الشعب المصرى الذى افقرته سلطة الحكم. مصر متسولة يارجاله.. يرضيكم كده.. مصر.. مصر.. مصر.. والله حرام مصر تهان على يد الخرفان. كل من لا يحافظ على كرامة شعبه فهو منزوعها.. وليرحل غير مأسوف عليه. فلترحل سلطة لاتعرف معنى الكرامة.. أذلتنا وجعلتنا متسولين. أرفض تلك السلطة وسياساتها ورجالاتها وكل من يناصرها ويقنن لها الباطل ويزين لها القبح والفساد. فلترحل سلطة الاحتلال والتجويع والترويع.ويبقى المشوار طويلا لكنه ليس ببعيد، وتبقى
#المقاومة_هى_الحل .
د. يحيى القزاز
الرابعة فجر الجمعة 6 بناير 2023