recent
أحدث المواضيع

أنه أسماعيل السباعى .. بقلم د. لوتس عبد الكريم

الحجم

أنه أسماعيل السباعى ..

إنه إسماعيل السباعي ، هو عندي  أحد عمالقة الطب في مصر، فهو ابن طه باشا السباعى وزير التموين الأسبق في وزارة أحمد ماهر باشا ، ووزير الشؤون البلدية والقروية الأسبق في حكومة أحمد نجيب الهلالي باشا ، وابن عم الكاتب الروائي يوسف السباعى وشقيق زوجته دولت ، عبقري جراحة الأورام العالمى، وقاهر أقوى وأخبث مارد عرفته الإنسانية جمعاء مرض السرطان ،


رحل دون أن يأخذ حقه الكافى من التكريم في بلده مصر ؟

 التى عشقها وضحى من أجلها بالمراكز العالمية ، بعد أن عُرف في كل العالم بأبحاثه الجديدة والمتطورة. رفض أن يغادر مصر للعمل في أية دولة ، واقتصرت جهوده العالمية على رئاسة المؤتمرات ، والاشتراك في كل ما يتصل بهذا المرض من خلال الجمعيات والمحاضرات والمراجع، وكان يقول سوف أخدم مصر حتى الرمق الأخير ، فمجالى الطبي هنا في مصر وأنا ابن هذا البلد المنكوب بالبلهارسيا ، وقد تخصص في سرطان المثانة ثم الرقبة والرأس. وقد أحدث الدكتور إسماعيل السباعى ثورة في جراحة الأورام منذ تخرجه في كلية طب القصر العينى سنة1941 ميلادية ، وخاض معركة طويلة أصبحت بعدها جراحة السرطان قسما يرأسه كأستاذ بالكلية حتى وفاته ، وقبل إسماعيل السباعى لم تكن تجرى بمصر إلا العلمليات الجراحية البسيطة ، ويعالج هذا المرض بالكيماويات ، ونجحت الجراحات التى استحدثها بالكلية في شفاء 85% من حالات السرطان ، 


وأصبحت الجراحات الكبيرة :

التى كانت تثير الرعب مثل استئصال الثدى من الجراحات العادية والبسيطة. وشارك في تأسيس المعهد القومي للأورام بمجهوداته واتصالاته الواسعة عام 1969ميلادية  ، وأصبح عميدا له في الفترة من 1975 إلى 1978ميلادية ، وتتلمذ على يديه الكثيرون من أنبغ الجراحين بمصر ، وكانت قد  نشأت فكرة إنشاء المعهد القومي للأورام في الخمسينيات من القرن العشرين ، وتحولت الفكرة إلى واقع على يد الدكتور لطفي أبو النصر، مؤسس المعهد وأول عميد له ،  وقد خلفه في عمادة المعهد الدكتور إسماعيل السباعي، الذي أدخل الجراحات الجذرية لعلاج الأورام السرطانية إلى المعهد ، ودرب العديد من الجراحين المصريين على جراحات الأورام ، وأثمرت جهوده عن اعتراف جامعة القاهرة بطب الأورام كتخصص مستقل .



وكان إسماعيل السباعى :

أحد ثلاثة نوابغ في العالم تخصصوا في  ذلك المرض الخطير ، وأحد عشرة ذكروا  في موسوعة السرطان في العالم. درست أبحاثه في جامعات العالم ، وكان الكل يتسابق في دعوته إلى المؤتمرات واللقاءات والمحاضرات ، وقد حضرت أحد هذه المؤتمرات في طوكيو ، واستضفنا الدكتور إسماعيل السباعى حينما كان زوجى سفيرا في طوكيو ، وكان إسماعيل السباعى يرأس اللجنة العالمية لمؤتمر السرطان الدولى باليابان. وقد حضرت احتفاء العالم بالعبقري المصري ، حيث تسلم جوائز من أكبر الدول ، ولم يكتف إسماعيل السباعى بتأسيس المعاهد والمراكز المتخصصة في الوطن العربي في جراحة السرطان مثل الكويت ، وفي مصر بالأقاليم مثل دمنهور والمنصورة وطنطا وبنها وكفر الشيخ، بل كان يقوم بجولات في كل هذه المناطق لإجراء العمليات الدقيقة والصعبة بالمجان للفقراء .


 حتى قدر عدد ما أجراه من عمليات الآلاف :

 ووفر على الدولة بذلك مئات الآلاف من الجنيهات وقتذاك ، فيما لو كانت أجريت في الخارج. وعلى المستوى الدولى شكَّل الدكتور إسماعيل  السباعى منصب رئيس اتحاد منظمات الشرق الأوسط للسرطان وعضوية مجلس ادارة الاتحاد العالمى لمكافحة السرطان ومنصب رئيس الجمعية الأورام الرأس والرقبة ، كما أسس الجمعية البريطانية لأخصائي أورام الرأس والرقبة البريطانية ، وأصبح عضوا بها مدى الحياة ، وكان الدكتور إسماعيل   السباعى عضوا بجمعية جراحى السرطان البريطانية ، وعضوا للجمعية الأمريكية لأبحاث السرطان ، وعضوا بالجمعية الأمريكية الإكلينيكية للأورام ، 
وعضوا في الجمعية الإيطالية لمنع واكتشاف الأورام.

 رحل العبقري المصري في صمت !!

 دون تكريم من بلده الذى ضحى من أجله بمجد هائل وشهرة عالمية لو كان قد استجاب لدعوة أمريكا أو أية دولة أوروبية للإقامة خارج مصر، وربما كنا سنصفق وقتها للمصرى العالمى حين تأتينا أبناء معجزاته من الخارج ، ونفرش له الطريق بالورد في زياراته إلى مصر ،  كما نفعل وفعلنا مع الدكتور أحمد زويل ، والدكتور مجدى يعقوب أو الدكتور فاروق الباز وسواهم من النابغين في شتى المجالات والتخصصات .
هذا العالم عشق مصر وخدمها ، وعاش من أجل قيمة ومبدأ وحب كبير، ومات دون أن يحظى بجائزة الدولة التقديرية ، الذي لم يكن في حاجه إلى جوائز ولا رسائل تقدير، وكانت تكفية البسمة التي يراها على شفاه اليائسين ، ويكفي أنه كان يد الله ، التي ترد الحياة لمن فقدوا  الأمل في الحياة. لم يكن إسماعيل   السباعي – الذي اكتشف الورم السرطاني في بطن الشاعر أمل دنقل - يقوم بعملية جراحية ليس واثقا من نجاحها ، وقد ذهبت إليه مرارا مع المرضى واليائسين وفعل أمامى المعجزات ، 


ذات مرة رأيته يحاول تحقيق معجزة لشخص ..

 انتهى أمره تماما ، قال لى : إنني سأحاول هذه المرة أن أجرى عملية في العمود الفقري وهذا شئ من أعمال المجازفة ، لكنى سوف أعتمد على الله وعلى إصراري وخبرتى ، ونجح وكانت سعادة الطبيب أكثر من سعادة المريض ، قال لى : " بالأمل والإصرار بين الطبيب والمريض تكون النتائج أحيانا مبهرة ، وبعض المرضى أجد لديهم الرغبة في الحياة لدرجة أنهم يسلمون لى أجسادهم كحقل تجارب أجرى بها عمليات لم يسبق لى أبدا أن أجريتها  وتنجح وتتم المعجزات وتكب لهم الحياة " .


فقد الدكتور إسماعيل  السباعى :

ابنا له كان نابغة هو طه إسماعيل السباعي ، وكان طالبا في بكالوريوس الطب ، وكان بين يديه يصارع الموت ، وشق الجراح العظيم رقبة ابنه لينقذه من الاختناق، ثم شق صدره ليدلك القلب، لكن مشيئة الله كانت أسبق من يد الجراح العبقري، ومات الابن بين يدى رب الجراحة الذى وقف عاجزا وقد أنقذ قبله الكثيرين ، وأصيب الطيب العالمى باكتئاب عظيم ، وانزوى إلى حد كبير ، واهتزت أصابعه للمرة الأولى في حياته ، وبدأت تقل عملياته ، ولكنه لم يتخل عن مهنته الإنسانيه حتى آخر يوم في حياته. إنه إسماعيل  السباعي الذي نشر مقالا في مجلة مسامرات الجيب عام 1950ميلادية وجاء فيه : " علمنى أبى كيف أكون مستقلا عنه، لا عصاميا مثله، فحين اختير وزيرا للتموين أرسلوا له سيارة "باكار" وفرحنا كلنا بها وإذا به يرد السيارة الفخمة إلى الوزارة ويستعمل سيارته القديمة التي كانت ماركة " اللى يحب النبى يزق"  وكان كثيرا ما يضطر إلى تركها في الطريق بسبب العطل ويستقل تاكسيا " .

google-playkhamsatmostaqltradent