recent
أحدث المواضيع

علي أبو هميلة يواصل الإبحار في نهر الثورة : أيام لا تنسى

 

أيام لا تنسنى : من ذكريات يناير. 

بقلم الإعلامى : على أبوهميله

التضحية  مطلوبة في اوقات ما، و التروي والصبر له اوقاته، وما بين الحالتين يبقى قرارك هل التضحية الان مفيدة والإفادة هنا لا تعني في الغالب إفادة شخصية قد تكون إفادة للمستقبل، أو للوطن، لك، الان لها جدواها أم أن صبرك قليلا اكثر إفادة لك ولغيرك.

على مدار أحداث وأيام من عمر الثوره :

كنا جميعا نتعرض لمثل هذه المواقف وعندما اقول جميعا لا اقصد جميع الناس اقصد هؤلاء الذين اخلصوا ليناير، وكانوا على استعداد للتضحية بكل شئ في سبيل نجاحها ومنهم من ضحى بالحياة واستشهد ومنهم من ينتظر،  وربما كانت تضحيته أقل منهم من سجن واعتقل و منهم من ينتظر، احيانا يضعك الله والقدر في موقف ليختبر إيمانك بما تدعي وفي هذا الموقف يكون عليك الاختيار بين حالة التضحية أو التروي والصبر.

الأربعاء 26 يناير ..

خرجت من البيت مع زوجتي، وتركنا الولاد في البيت نور كان عندها 11 سنة وسبع ايام كبرت تقدر تحافظ على محمد اللي كان وصل لتسع سنوات يعني ممكن لساعات نقدر أنا وايناس نتحرك ونسيب نور ومحمد مع بعض، نزلنا طبعا بعد متابعة ليلة الأمس واحداثها بعد العودة من الميدان، وفض المظاهرات بعد منتصف الليل وهو الفض اللي تم بعد خروجي من الميدان بحوالي ساعة أو ساعة ونص، المهم قررت ايناس تنزل معايا تروح التليفزيون، نزلنا حوالي الساعة ١٢ الضهر، المشوار من فيصل لماسبيرو كان عادي ما فيش حاجة متغيرة في الشارع يعني تقدر تقول ما فيش مظاهرات خالص لحد ما وصلنا ماسبيرو، إيناس ركنت العربية في الجراج اللي قدام ماسبيرو دخلنا ونزلنا بعد حوالي ساعة تقريبا الساعة ٣ عصرا

ماسبيرو :

على باب التليفزيون كان في عربية بوليس وكل حد ماشي في الشارع بيقبضوا عليه ومع نزولنا تقريبا كان فيه موظفين داخلين ماسبيرو فحاولت القوة تقبض عليها مع خروجنا، رحت للي قدام البوكس ونزلت شابين كانوا في البوكس قلت لهم دول موظفين تقريبا كان مهندس وفني. لاحظت أن بدا يبقى في مظاهرات محدودة جاية من ع الكورنيش ناحية شبرا، وبعد خناقة صغيرة مع بتوع البوكس كان لازم  اخلي إيناس تروح عشان الولاد في البيت لوحدهم،

مبنى الاذاعه والتليفزيون 

جريت ركبتها العربية وخرجت بصعوبة جدا من الجراج مع حالة هرج ومرج من بتوع الأمن واحد فيهم قعد يخبط ع العربية قلت له موظفة ومروحه،  وهي بتتحرك كان مجموعة شباب قادم من شبرا عمالين مظاهرة صغيرة عايزين يدخلوا التحرير، بتوع القوات الخاصة قعدوا يطاردوهم و يقبضوا على اللي يطولوه منهم.، كان كل همي ايناس تروح وبعدين اشوف الدنيا ها تحصل فيها ايه، وفعلا قدرت اخرجها ناحية كوبري الزمالك ما بين القوات الخاصة ( دول بعيد عنك حاجة كده بغال اتنين متر طول واتنين متر عرض)، 

 وما بين الشباب المتظاهرين ( دول بقي ولاد الزمن الصعب ١٧٠ طول و ١٧ عرض، زي كل ولاد بلدنا.. -مع الاعتذار لعمنا أحمد فؤاد نجم-. بدأت اتعامل مع الموقف كمتفرج او راصد للي بيحصل، مجموعات صغيره خمس او عشر شباب من عينة عود الدرة و عشرات من حجافل القوات الخاصة من عينة عكسية خالص. قررت الا اشتبك ولا اغامر، في ظل عدم التكافؤ الحادث كان كل همي احاول انقذ شاب او اتنين، سواء إني ابعده عن ايدين الضباط أو أتدخل كمخرج في ماسبيرو وابعدهم عن شاب من الشباب، اتمشيت شوية في وسط البلد اتفرج على مطاردات ومغامرات بين البغال الحكومية و عصاعيص الشعب..

27 يناير :

استمرت محاولات التجميع لدخول ميدان التحرير من مجموعات شبابية قليلة العدد من نواحي الأوبرا أو من الكورنيش، من شارع رمسيس، واستمرت معها المطاردات من جحافل القوات الخاصة.. نزلت انا وعبداللطيف أبو هميلة من ماسبيرو نشوف الدنيا ها تمشي ازاي بعد ما سمعنا تقريبا أصوات مظاهرات لكن زي ما قلت كانت قليلة العدد. اتجهنا ناحية التحرير نشوف مظاهرة ندخل معاها، عند كوبري أكتوبر في عبدالمنعم رياض لقينا تقريبا 15 شاب عاملين مظاهرة صغيرة وبيحاولوا يجمعوا الناس، حسيت ان الموقف تمام.. بصيت اشوف الناحية التانية من الكورنيش لقيت مقدمة كده لبتوع الداخلية وبسرعة حسبت القوة وفهمت ان الشباب دول اغلبهم ها يتم القبض عليهم..

عبداللطيف قالي : ياللا معاهم..

 قلت له : بص كده الناحية التانية عقبال ما بص كان عشرات من القوات الخاصة بيجروا ورا الشباب عصى كهربائية وعصى خشبية، عبداللطيف حاول يندفع يدخل مع الولاد مسكت ايده، وعديت بيه من قدام هيلتون رمسيس للناحية التانية تحت الكوبري وهو بيحاول يفلت عشان يروح مع الشباب وخلال دقيقة تقريبا كانت معمعة الشباب انضربوا واتقبض على مجموعة منهم، وانا ماسك ايد عبداللطيف من حديد !! 

وقلت له : ما فيش فايده دلوقتى من انك تبقى في المظاهرة ها يتقبض عليك وده مش مفيد خلينا نشوف الموقف رايح فين مع الناس. هو كان متعصب جدا من المسألة دي بس انا كان ده موقفي و ركبت عبداللطيف يروح العمرانية و بقيت انا اشوف اخبار الدنيا ايه الف حوالين الميدان و بعدين روحت، في الليل اتكلمت انا  وعبداللطيف وعرفت أن في شباب من 6 أبريل أتحركوا بعدمنتصف الليل في حواري العمرانية واماكن تانية و استمروا لفترة.

الجمعة 28 يناير .

الساعة ١٢ الضهر نزلت من البيت وقدام الباب استودعت البيت بما فيه في يد من لا تضيع عنده الودائع، نزلت في الطوابق كنت في العادي اتمشي المنطقة دي، ما كنش في حاجة مختلفة في الشوارع الخلفية عادي الناس عادية ما فيش احساس مختلف ما فيش ناس،  لكن انا كنت رايح التحرير حيث جمعة الغضب. مش مهم بقى، الناس دي عادتهم  المصري كده لا يغامر كثيرا لكن الطليعة والنخبة لازم في أوقات معينة يبقى عندها قدرة على التضحية حتي بارواحها، 

طبعا انا مش بعتبر نفسي لا طليعة ولا نخبة لكن ممكن تعتبرني جمهور مستنير وعندي حلم، من زمان لتغيير نظام مبارك حاولت في ١٩٨٥، ٨٦، ٩٠، ٢٠٠١، ٢٠٠٣ وفي ٢٠٠٨، مش مهم لكن زي ما دايما بقول انا جماهير.. ركبت الميكروباص اللي رايح التحرير، عند الطلبية لقيت مظاهرة تقريبا كانوا حوالي ٣٥ شاب ورجل واعتقد كان فيه سيدات نزلت من الميكروباص، انضميت للمظاهرة عين على المظاهرة وعين على الناس المره دي كانت الناس اهم من الشرطة،

 واحدة واحدة بدأنا نكتر وناس تتجمع اكتر لحد ما وصلنا كوبري فيصل وكان عبداللطيف في ميدان الجيزة حيث البرادعي ورفاقه في مسجد الاستقامة واللي انتهت بخراطيم المياه وعودة البرادعي وإبراهيم عيسي و رفاقهم الي. منازلهم ( البرادعي مش بتاع ميادين، وهذا ليس عيبا في البرادعي الذي اقدره جدا حتى الآن)،

أحداث 28 يناير


 لما وصلنا كوبري فيصل كنا حوالي ٣٠٠٠ او اكتر شوية او اقل شوية بس ده كان بالنسبة لي عدد كبير جدا نقدر نعمل بيه حاجة و لقيت صديقي الجميل حسن عبدالعزيز واحد من أهم فنانين ومثقفي ماسبيرو، ومشينا مع بعض. وعند كوبري فيصل كانت القنابل المسيلة للدموع في وش الناس والكوبري مغلق تماما في وش المظاهرة انضرب كميه قنابل غير طبيعيه، وفجأه بصيت حواليا لقيت ال٣٠٠٠ متظاهر فص ملح وداب.  جريوا في كل الشوراع حوالين الكوبري وهنا كان لازم حد يجمع الناس تاني وفي لحظة قررت اني أقف في نص الكوبري وحيدا اهتف.. وكان الهتاف. "تقتل واحد تقتل الف.. بكره ها تسقط مهما تلف".

 بداية المواجهات 

طبعا انا عمري ما كنت هتيف لكن موقف حتم عليا في لحظة كده، استمريت اهتف لوحدي تقريبا دقيقة وفي مواجهة كل اللي فوق الكوبري من رجال الداخلية و لايزال إطلاق القنابل مستمر وبعد دقيقة أو دقيقة ونص كان كل اللي في الشوارع انضم تاني للمظاهرة وبقينا اكتر من ٥٠٠٠ متظاهر قدام كوبري فيصل في مواجهة الداخلية اللي بدأت تنسحب. فتحوا الكوبري ليدخل المتظاهرون الي شارع مراد من على كوبري فيصل  وينضموا لمتظاهري الجيزة لنتجه نحو كوبري الجلاء،

 بينما انا و حسن عبدالعزبز كان عينا على عساكر الأمن المركزي اللي دخان القنابل أعمى أعينهم وفي نفس الوقت القيادات سابوهم من غير توجيه بعد الانسحاب من علي الكوبري، طبعا حاول بعد الناس يتحرشوا بيهم لكن انا وحسن انقذنا عدد منهم و العيال قلعوا لبسهم وكانوا بيعيطوا وحسن اشتري لبعضهم ميه، ومشيوا العساكر، وعدينا  على الكوبري للالتحاق بالمتظاهرين في شارع مراد متجهين الي كوبري الجلاء..

مازال في الذاكرة بعضا من الحكايات

عبرنا كوبري فيصل انا وحسن عبدالعزير بعد معركة فيصل وبعد انهيار قوات الداخلية على الكوبري كنا في أواخر العابرين لأننا كنا نحاول إنقاذ بعض عساكر الأمن المركزي من أيادي أهالي أول فيصل، و خلصنا الجميع وامددناهم بالمياه و بعض العصائر.. واكتمل عبورنا لنلتحق بالمتجهين الي ميدان التحرير كان الثوار قد وصلوا الي كوبري الجلاء وامتدت المظاهرة الي منتصف شارع مراد أمامنا جماهير لا عدد ولا حصر لها وكان خلفنا الالاف التي تحاول اللحاق بالمسيرة الطويلة أمام الفور سيزون حاول صبي في الرابعة عشر ان يقذف حجارة على بوابة الفندق الكبير فتصدينا له، و افهمناه اننا لانحطم ملكية الشعب ( رومانسية فارغة لم يعد شيئا للشعب من كل من سلبوا ثرواته بل ازدادوا سلبا له حتى وصلوا للحم المواطن المصرى الحى )

معركة كوبرى الجلاء :

 استمرت المسيرة وصلنا أمام الشيراتون وكانت معركة كوبري الجلاء قد انتهت حوالي الخامسة عصر، شاهدنا آثارها وبدأت معركة كوبري قصر النيل، رأينا سيارات شرطة محطمة ومحترقة على جانبي كوبري الجلاء دخلنا شارع أمام الشيراتون لنشتري مياه وبسكويت فقد كان من عاداتي الافطار قبل النزول من المنزل، وكان الهتاف قد أثر على جوفي فكنا نحتاج المياة انا و حسن. مش فاكر اتصلت لعبداللطيف والا لاء أعتقد اتصلت وعرفت انه قابل ناس كتير من أصدقائنا من أيام الجامعة ومعاهم يسبقنا في اتجاة التحرير وكانت مسيرة المهندسين وصلت إلى كوبري الجلاء ودخلنا شارع الأوبرا و بدأ الكر والفر جلسنا انا وحسن في منتصف شارع الأوبرا وكان من عاداتنا أن نقول في نفس واحد "خليهم شوية ويخلصوا القنابل و يفتحوا الطريق".

كوبرى قصر النيل 

 كان هناك الكثير من الناس قد اصيب باغماء و ضيق تنفس من الغاز لم نكن تعودنا على الغاز -تعرفت عليه في مظاهرات يناير ١٩٩١ في الجامعة أثناء ضرب العراق و كان أول مره اعرف  ان القنابل ممكن تلتقطها وتقذفها تاني ناحية من أطلقها حدث ذلك امام قبة الجامعةـ وعرفت مؤخرا ان الثائر احمد دومه فك الله أسره قد اشتهر بها أثناء الثورة. خف الضرب قليلا لندخل الي كوبري قصر النيل اقتربنا اكثر من منطقة الضرب كنا تقريبا في الثلث الأخير من الكوبري أنا وحسن والكاتب الصحفي الصديق القديم عادل السنهوري متمسكين وايدنا في ايد بعض،

 حتى حصل ضرب مكثف القنابل تفرقت ايادينا تراجعنا قليلا وفجأة مالقتش حسن  عبدالعزبز لكن فضلت انا وعادل السنهوري مع بعض. بيننا اتجه نظري كالعادة إلى ماسبيرو، وكنت أقف على سور قصر النيل فوجئت بالنيران تشتعل في مبنى الحزب الوطني نظرت أسفل كوبري أكتوبر وجدت قوات أمن، اخر قصر النيل قوات أمن من أحرق المبنى الذي  تحيطه قوات الأمن من جميع الجهات لابد أنها بفعل من بداخله، -لا يد للثوار في هذا الحريق.. وقت قصير و تم انسحاب القوات أو انهيارها بعد معركة الخراطيم الشهيرة والقنابل المكثفة، لم ادخل التحرير اتجهت مع جموع الي ماسبيرو تركني عادل السنهوري على مفترق الطريق ليدخل التحرير

مبنى الحزب الوطنى 


في الطريق إلى ماسبيرو كان حريق مبنى الحزب لا  يزال قائما لا اخفيكم سر اني حزنت فكل ما في هذا الوطن لأهله ولايجب حرقه بل استماره -للأسف من أحرقوا المبنى التاريخي باعوه او سيبعوه للاماراتيين الصهاينة- أمام هيلتون رمسيس باتجاه ماسبيرو دخلت معي دبابات الجيش ورأيت الناس يصعدون على ظهر الدبابات ويهتفون "الجيش والشعب ايد واحده" سخرت ايد لوحدها ما تصقفش وصلت ماسبيرو اقتربت اكثر من الأبواب المغلقة شاهدت من الداخل بعضا من أمن ماسبيرو اعرفهم ويعرفوني يقينا و أمامي من ناحية الكورنيش شباب ثائر  وشعب غاضب، 

 واقسم ان بعضا من المتحمسين كان يحاول اقتحام المبنى لكن تصدينا لهم وكان في مقدمة الذين تصددوا لذلك مجموعة من شباب ائتلاف الثورة لم أكن اعرف احد فيهم من قبل سوي خالد تليمة. واعتصمنا أمام ماسبيرو و ظللت أمام المبنى حتى الواحدة صباحا اتجول بين المتظاهرين أمام المبنى لم يحاول أحد اقتحامه و على دكة اسمنتية جلست في منتهى التعب،  لم أشعر  طوال اليوم انني لم اتناول أي طعام ماعدا باكو بسكويت أمام كوبري الجلاء

القلق والترقب :

لقيت حد بيدي لي زجاجه ميه، كانت المخرجة المسرحية الصديقة عبير علي ومعها دكتوره في معهد النقد الفني اظن اسمها الأول هدى، -مش فاكر باقي الاسم- مضى وقت قليلا  وكانت عبير في غاية القلق على أولادها وكانت خايفة ما تعرفش توصل البيت، وصلت عبير والدكتوره هدى إلى كوبري أكتوبر تقريبا قدروا يركبوا تاكسي. انتظرت قليلا، ثم قررت العوده للمنزل لأخذ الطريق من كوبري أكتوبر إلى ميدان الدقي، شارع السودان، شارع فيصل ماشيا على الأقدام حتى وصلت شارع التوحيد في الطوابق، الكنيسة بلا حراسة هادئة ساكنه كما تركها حراسها من الداخليه، استمرت الكنيسة بجوار مسجد التوحيد طوال ١٨ يوما من عمر الثورة المصرية التي كان أغلبها أعود فيها منزلي في الطوابق ماشيا هادئة ساكنة آمنة مطمئنة بوجودها في مصر الثورة.

دخلت منزلي متأخرا.. تلقيت اتصالا من الوزير

سألني : أين أنت؟  قلت له : في البيت وصلت حالا. سألته : ايه الاخبار. رد انس الذي اعرفه واثق زهوا ثقة متناهيه : الوضع تحت السيطره مسيطرين على ٨٠ ٪ من الأحداث. عندها كان الحوار بيني وبين الوزير قد وصل نهايته.. قلت له : أولادك في مكان آمن؟ يزال الصديق يهمني وامر عائلته.. قالي : ايوه. قلت له : ياريت توديهم مكان تبقى مطمن عليهم فيه. انتهيت المكالمة على : ما تقلقش. قلت له:  طويب!! انتهى اليوم الأصعب في تاريخ الثَوره المصرية. 

وفي اليوم التالي دخلت ميدان التحرير من بين ممرات الجيش التي اغلقت كل بوابات التحرير وكنا ندخل في الممرات التي صنعها الجيش والمجلس و لم نخرج منها حتى الآن.  عند ماسبيرو كانت الأسلاك الشائكة قد صنعت حاجزا بين الثورة و المبنى، والتي تطورت فصارت أسوار عازلة طمست التراث والتاريخ وشوهت المبنى كما دمرت وشوهت الممرات العسكرية ميدان التحرير و ثورته

الثلاثاء الأول من فبراير ( الجمل) 

ثلاثة أيام مرت علي جمعة الغضب لم يكن هناك فيها جديد كنت وعصام سعيد نتواجد في الميدان من الصباح حتى ما بعد منتصف الليل، وفي نهاية اليوم يتجه عصام إلى شبرا واتجه الي الطوابق بفيصل مشيا على الأقدام أما نهارات الأيام الثلاثة فكانت سيرا في الميدان وماحوله نترقب الناس نلاحظ ملامحهم كنا نبحث عن الطريق في أفكار الكبار، -أو ما كنا نظنهم كبار في ذلك الزمان- التقينا أصدقاء كثيرة من ايام الجامعة وما بعدها مره قابلت صبري السماك المنتج السينمائي  صاح بي قائلا : ايه يا ابوهميلة انتوا جايين تركبوا الثوره.

ضحكت كثيرا جدا قهقهت.. وقلت له : ياريت يا صبري عموما الناصريين متبعترين ومش بيعرفوا يركبوا، ياللا ياسيدي اركبوا انتوا. كان صبري وحيدا يجلس على طرف حديقه بميدان التحرير.. أما أنا فلم أكن اعول كثيرا على الناصريين، فجميعا جاء فرادى والغريب فيهم أنك إن وجدت مجموعات منهم ستجدهم كل مجموعة في ناحية، خمس او عشره او ١٥ على الأكثر وبينهم وبين الآخرين مسافات ومساحات ورغم كثرتهم وكثره كوادرهم إلا أنهم مشتتين 

-لازلت أراهم كذلك كوادر كثيرة لكن فرادى- في كل خطوه كنت تقابل واحدا من قيادات الجامعة أو ما بعد الجامعة، كثيرا منهم غيرته الأيام ولكن عندما اقترب الحلم جاء الميدان يبحث عن أصدقاء ورفاق مشوار ولكن لا يبحث في تجميعهم ووحدتهم. كنت أرى وعصام ان أمامنا أيام طويلة في الميدان والموضوع لن ينتهي خلال أيام قليلة  وكان علينا أن نمضي الايام في تأملات لحالة الناس لم نكن نهتم لهؤلاء الذين ذهبوا ولا الذين عادوا.

بداية الأستقطاب !؟

 وخلال تلك الأيام وخاصة بعد جمعة الغضب بدأ استقطاب الكثيرين من اجهزه الدولة و محاولة مساوماتهم على أشياء، وظهر على شاشات التليفزيون أناس ما انزل الله بهم من سلطان كنا نعجب من هؤلاء ومن أين ظهروا ولماذا يظهروا على الشاشة وتصديرهم انهم قادة ثورة؟ نعم جاءت الدعوة من شباب على فيس بوك وتويتر ربما تعاطفا مع حالة خالد سعيد او سيد بلال، ربما ظهر في الأجواء الداعين ل٢٥ يناير شباب، لكن مشهد ٢٨ يناير غير الصورة تماما هذا مشهد شعب كامل ارسل ممثلية ليخوضوا معركة كبيرة حتى الوصول للميدان التحرير.

لم تكن مظاهرات يناير كأى مظاهرات ؟

 لم تكن كمظاهرات كفاية، أو حتى مظاهرات ٢١ مارس ٢٠٠٣ مع سقوط العراق وتلك مظاهرات كانت ضخمة جدا نزلنا الميدان لنرى صورة من صور ميدان التحرير التي رسمها بهاء طاهر في رائعته شرق النخيل عن مظاهرات ٧٢، لكن ٢٨ يناير كانت حركة شعب ولو كانت مثل المظاهرات السابقة لانتهت مع ساعات النهار،

 لذا استقر المقام في ميدان التحرير حتى يسقط النظام هذه المره بجد وحق وحقيقي، ليست كمرات سابقة في منتصف الثمانينات مع انتفاضة الأمن المركزي او غيرها في الالفينات مع سقوط بغداد او غيرها من الأحداث التي عاصرناها الثوره بين شخصيات وحكماء !!كنا نلتقي شخصيات نعرفها في كل خطوه من الميدان  لكننا لم نرى قيادات اختفى البرادعي لم يحضر ألا الميدان الا بعد ٥ فبراير،

 ظهرت ما اطلق عليه لجنة الحكماء، وكنا نضحك حكماء فيهم نجيب ساويرس، و مش عارف مين ومين.. ندرك ان كل ذلك كلام فارغ فالوقت لم يحن بعد وهؤلاء ليسوا حكماء هذا جيل انتهى مع نهاية هذا النظام.. ربما كان الوحيد الذي رايته نائما في صينية ميدان التحرير كان حمدين صباحى، وهذه عادة حمدين و طبعه وهذا جزء من محبتي له لم يكن يغادر إلا مثلنا آخر اليوم أما باقي يومه فهو مواطن مصري يحمل هموم شعبه و يكون مكانه الأمن وسط الناس..

التوافد على الميدان وظهور الأحزاب !

مرت الايام الثلاثة. السابقة بالنسبة لنا عادية جدا، المشوار لن ينتهي بسرعة و نحن نتابع ما يحدث نقابل الأحباء، ناكل كشري، فول وطعميه، ناخذ زجاجة مياه نتقاسمها انضم إلينا من ماسبيرو الاصدقاء شريف محمد، محمود خاطر، أيمن عياد، وحسن عبدالعزيز، ومنذ اليوم الأول كنا ثلاثتنا عصام وعبداللطيف وأنا، لم نكن نعرف معنى الجلوس إلا عند التعب والإرهاق دائما في حالة تأمل و مراقبة لحالة المتظاهرين.. 

مضى اليوم الأول من فبراير كالايام السابقة طبعا حصل موضوع المنصات و بدا رويدا رويدا يدخل الميدان أحزاب و كيانات جديده، وبدأ في الميدان عدة منصات وعدة تجمعات لاسماء أحزاب،  وكان لدينا علامات تعجب نعم هناك تنوع بالميدان لكن يجب أن يظل الصوت واحد، كنا نلاحظ دخول شخصيات عامة كثيرة، ونرى فرحة الناس بيهم، فما بعد جمعة الغضب غير ما قبله كما قلت كان الشعب حاضرا ليسوا مجموعة من الثوار أو الطليعة، بينما نسخر من تعلق الناس بشخصيات إعلامية أو كثيرة الظهور، كنا نفرح جدا بمجموعات تجئ من الأقاليم وبدأ تجمعات إقليمية تحط على ميدان التحرير

مساء عصيب 1 فبراير :

كانت أصعب لحظاتنا في ميدان التحرير تلك التي اعقبت خطاب مبارك يوم 1 فبراير، فقد جاء الخطاب بلغة من يفهم الشعب المصري جيدا و ضغط على أوتار مشاعر المصريين العاطفية، حيث الرجل الذي شاخ، يريد أن يموت في وطنه وانه سيترك الحكم بعد ٦ أشهر ووو. استمالات عاطفية كثيرة جدا أثرت في عامة المتظاهرين و بدأ الميدان يخلوا رويدا رويدا ما بعد الحادية عشر، وبدأنا نحس برودة الجو، جاء إلينا زملاء من ماسبيرو مذيع شهير..

 مخرجين شباب مخرجين كبار طالبين منا العودة إلى المنازل فالرجل سيرحل بعد ٦ أشهر وهذا انجاز كبير. عايزين ايه بقى -بعد ٤ فبراير انضم هؤلاء وغيرهم كثيرون الي الميدان وتصدروا الصوره كثوار- لكننا كنا ضد ما يقوله مبارك، وما يقوله نظامه، ندرك أن الهدف سيتحقق، وما يحدث حالة من التخدير، وكما اننا لانثق في هذا النظام وتلك عادته في تبريد الطلبات قليلا سيتم القبض على معظم الناس اللي في الميادين أو من يقودوا الميادين وبعدها سيكون الإعلام جاهزا بكل انواع التشوية، ثم حادث إرهابي و مجموعة من الالهاءات التي يجيدها النظام ومجموعه من المكافأت لبعض الشخصيات وينتهي كل شئ.

الأنتصار للثورة أو الشنق !

الحقيقة أن وجودنا في الميدان حتى الانتصار واسقاط نظام مبارك لم يعد مطلبا شعبيا بل أصبح انقاذا لنا ثلاثتنا، فقد كانت عودتنا تعني ان رقابنا ستعلق على بوابات ماسبيرو فنحن اللذين يقودون الثوره في عرف كل قيادات ماسبيرو، بداية من أنس الفقي ونهاية لاصغر مخبر من مخبريه سواء قيادات أخرى أو مخرجين، مذيعين، الجميع على استعداد للنفاق و التملق. هذا شبيه بما حدث في مارس 2009 فقد حملنا كل ما حدث رغم أننا دائما وابدا وكما ترون لا نبرح مكان الجماهير ابدا، ولكنها كانت إما أن يسقط النظام، إما رقاب ثلاثتنا على بوابات ماسبيرو، 

لا مفر اذن من أن نستكمل المسيرة تحقيقا لحلم العمر وانقاذا لرقابنا، لكن الحق يقال لقد خرج على الاقل 60٪  ممن كانوا في الميدان حتى أن الذين جاءوا ليطلبوا منا العودة للمنزل كانوا يجدونا بسهولة، وكان رفضا قاطعا. لقد انتهت كل السبل مع الوضع القائم ونحن مستمرون حتى النهاية، انتهت أصعب ليلة في حياة ثورة 25 يناير، لكن يبدو أن هناك من كان أكثر قدره على التخطيط قائما لاينام هناك في المتحف المصري، فكان اليوم الأخطر في تاريخ يناير، 

-موقعة الجمل- صبيحة خطاب مبارك لتتغير المعادلة مره اخري ويعود الميدان أضعاف مما كان. ولهذا قصة أخرى فالميدان قبل موقعة الجمل حاجة وبعده حاجة تانية خالص، فقد ايقن الجميع بسقوط مبارك وجمال وشلته، وان هناك قادم آخر، فجاء الجميع يقدمون فروض الولاء َالطاعة على رأي المثل (قدم السبت تلاقي الحد قدامه) أما من قدموا السبت للقادم فهم كثيرين وهؤلاء مأساة  مصر حتى الآن.

google-playkhamsatmostaqltradent