ترجمة : د. ممدوح قليد
بقلم : كاثرين شاير .. دويتش فليه : منشور الجمعه 20 منشور الجمعة ٢٠ ینایر ٢٠٢٣
تضاعفت أسعار المواد الغذائیة، وانخفضت الرواتب إلى النصف، وقیدت البنوك عملیات السحب: یواجه المصریون الآن نفس المشاكل التي یواجھھا اللبنانیون. ولكن إذا ساءت الأمور في مصر عن ذلك فستكون التداعیات أكثر ضررًا. مع انخفاض قیمة الجنیه المصري، تغیر أسلوب تسوق المواد الغذائیة للعدید من المصریین من الطبقة المتوسطة، وأصبح المصریون یتابعون عن كثب و بطریقةً عصبیة سعر الجنیه المصري بالنسبة للدولار. وأوضح أحمد حسن، ٤٠ عامًا، وھو محاسب وأب لثلاثة أ طفال من حي شبرا بالقاھرة: » بدلاً من شراء ثلاثة كیلوغرامات من الأرز عندما نذھب للتسوق، نشتري كیلوغرامًا أو نصف كیلوغرام «. "نحن نحاول خفض نفقاتنا. لسوء الحظ لا یمكننا الحد من كل شيء لأن أطفالنا بحاجة إلى أشیاء معینة و ضروریة.
أنخفضت قیمة العملة المصریة :
بنحو الثلث منذ أواخر أكتوبر، ویبلغ التضخم حالیًا أكثر من ٢٠٪. یشك بعض الاقتصادیین في أن الأمرأسوأ من ذلك في الواقع. وقالوا إن المعدل غیر الرسمي - الذي یشمل الاقتصاد غیر الرسمي الضخم في مصر - یصل إلى ١٠١٪. تضاعفت أسعار المواد الغذائیة، وانخفضت الرواتب إلى النصف، والبنوك التي تقید مقدار الأموال التي یمكنك الحصول علیھا من حساباتك: یبدو الانخفاض المالي الحر الذي یعاني منه العدید من الأشخاص العادیین في مصر الیوم مشابھًا جدًا للأزمة الاقتصادیة الكارثیة التي یتعامل معھا المواطنون في لبنان منذ عام ٢٠١٩.اوجه تشابه ملحوظه بين مصر ولبنان في لبنان، ذھب السكان المحلیون الیائسون إلى حد سرقة البنوك (السطو المسلح) التى یودعون بھا أموالھم لمجرد سحب مدخراتھم،وغرقت المدن اللبنانیة في الظلام بسبب انقطاع الكھرباء مع نفاد وقود محطات الطاقة و دُفعت الطبقة الوسطى في البلاد دفعا للاستدانة. لم تسوء الأمور إلى ھذا الحد في مصر بعد. لكن مع استمرار ورود الأخبار الاقتصادیة السیئة، یتساءل البعض: ھل یمكن أن تصبح مصر قریبًا لبنان الجدید ؟
كتب روبرت سبرینجبورج :
الأستاذ المساعد في جامعة سیمون فریزر الكندیة، في تقریر عام ٢٠٢٢ للمنظمة غیر الربحیةProject on Middle East Democracy (in Washington D) ھناك أوجه تشابه ملحوظة بین الاقتصاد اللبناني الفاشل الآن بشكل مذھل والاقتصاد المصري المتعثر. . وحذر من أن عواقب انھیارالثقة في لبنان كانت مدمرة لكنھا ستصبح تافھة إذا حدثت في مصر المشاكل الاقتصادیة الحالیة في مصر ھي نتیجة لعدد من القضایا الداخلیة - بما في ذلك الاضطرابات السیاسیة والفساد وسوء الإدارةالحكومیة - والتي اقترنت مؤخرًا بأزمات خارجیة، مثل جائحة الكورونا والحرب في أوكرانیا وخطر الركود العالمي.
سوء الإدارة الاقتصادیة ؟
دمر الوباء السیاحة المصریة، أحد أصحاب الأموال الكبیرة في البلاد. ثم عطلت حرب أوكرانیا إمدادات القمح للبلاد، أكبر مستورد للقمح في العالم. منذ عام ٢٠١٤ عززت الحكومة المصریة بقیادة الرئیس عبد الفتاح السیسي سیاسة المشاریع الضخمة الوطنیة بما في ذلك أطول خط أحادي بدون سائق في العالم - بتكلفة ٢٣ ملیار دولار؛ ومدینة جدیدة بالكامل، العاصمة الإداریة الجدیدة البالغة قیمتھا ٥٠ ملیار دولار وتقع بالقرب من القاھرة. وقد أدت ھذه إلى نمو ظاھري مصطنع في البلاد. وترتبط العدید من المشاریع أیضًا بشبكة الأعمال الضخمة التابعة للجیش المصري و التى تھدف لتحقیق أرباح ھائلة. مثل ھذه السیاسات : التي تسمح للشركات المملوكة للدولة وللمؤسسة العسكریة (و ما یسمى بالأجھزة السیادیة) بالھیمنة على الاقتصاد،أدت إلى كساد القطاع الخاص في مصر، وتثبیط وعدم تشجیع الاستثمار الأجنبي، وشھدت البلاد اعتمادًا أكبر على الائتمان الأجنبي لبقائھا. وتدین مصر حالیا بأكثر من ١٥٥ ملیار دولار، و بالتالي یذھب ما یقرب من ثلث دخلھا القومي لخدمة ھذا الدین الخارجي.
كتب الخبیر رباح أرزقي :
كبیر الاقتصادیین السابق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفریقیا بالبنك الدولي، الأسبوع الماضي مؤكدا أن كل ھذه العوامل اجتمعت مؤخرًا لكي تضع مصر على شفا ھاویة مالیة واقتصادیة السبب في أن الجائحة والحرب الأوكرانیة كان لھما مثل ھذا التأثیر الكبیر ھو استراتیجیة الاستثمار التي قادھا السیسي لمدة تسع سنوات: إنفاق ضخم على مشاریع ضخمة، بعضھا كان غیر ضروري على الإطلاق أو نتیجة تصور خاطئ تماما، و یضیف یزید صایغ، الباحث المعروف و زمیل مركز كارنیجي للشرق الأوسط في بیروت، لمحطة دویتشه فیله .ھذا جعل المالیة المصریة ضعیفة للغایة، دون توفیر مكاسب حقیقیة للاقتصاد. وقال صایغ إن الحكومات الأجنبیة بما في ذلك حكومات ألمانیا والولایات المتحدة، ھي المسؤولة جزئیاً حیث لم یكن بإمكانه "السیسي " زیادة دیون مصر بنسبة ٤٠٠٪ دون موافقتھم بل و مشاركتھم المباشرة. دولتان لا یمكن مقارنتھما ھناك بعض أوجه التشابه بین مصر ولبنان - مستویات الفقر المصریة، على سبیل المثال، تقترب من لبنان حیث یعیش ٦٠٪ على الأقل من المصریین تحت خط الفقر أو بالقرب منه.
قال تیموثي قلدس:
الخبیر في الاقتصاد السیاسي المصري وزمیل معھد التحریر لسیاسة الشرق الأوسط (TIMEP): »أن ھناك استعداد لدى النخبة السیاسیة لإثراء نفسھا على حساب الدولة و الشعب ھذا بالتأكید شيء یشترك فیه البلدان (مصر ولبنان) أیضًا«. وأضاف یزید صایغ من معھد كارنیجي لكن على الرغم من بعض أوجه التشابه، فإن أشیاء مثل الفقر والفساد شائعة في العدید من الدول العربیة، لذلك لا یمكنك إجراء مقارنات بسیطة. كما أن الحكومة المصریة لیست فاسدة بنفس الطریقة أو المقدار في لبنان. وتابع تیموثي قلدس منTIMEP : على الرغم من كل مشاكلھا، فإن مصر في الأساس في وضع أكثر استقرارًا من لبنان إو لیست على وشك الانھیار التام بالطریقة التي كان علیھا لبنان وأشار قلدس إلى أن الاقتصاد المصري لدیه مصادر نقدیة محتملة أكثر من لبنان - مثل قناة السویس و السیاحة وصناعات التصدیرالمختلفة. ولبنان یعتمد اعتمادا أكبر على التحویلات المالیة من المواطنین المھاجرین بالخارج للحصول على العملة الأجنبیة وھو المصدرالذي كانً یشكل ما یصل إلى ربع الدخل القومي اللبناني قبل الأزمة الحالیة،
وأشار قلدس :
إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، یمكن التفاوض مع القیادة المصریة. بینما في لبنان ما زالوا یكافحون لاختیار رئیس جدید .مصر، أكبر من أن تفشل ؟ لكن ربما یكون الاختلاف الأكبر بین مصر ولبنان ھو أن مصر یُنظر إلیھا عادة على أنھا أكبر من أن تفشل . یبلغ عدد سكانھا حوالي 107 ملیون نسمة، وھي الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في المنطقة. كما أن لدیھا أقوى جیش في الشرق الأوسط. وأوضح قلدس أن ما یجعل مصر محظوظة ھو أن الداعمین الخارجیین یولون أھمیة أكبر لجدوى ثبات و استقرار الدولة، بغض النظرعن مدى سوء إدارتھا أكره أن أقول ھذا، لكن من وجھة نظر الداعمین الخارجیین الرئیسیین، فإن مشاكل لبنان أكثر قابلیة للإدارة والاحتواء مما لو كانت تحدث في بلد یضم أكثر من ١٠٠ ملیون شخص.
وفي منتصف دیسمبر وافق صندوق النقد الدولي
على حزمة دعم قیمتھا ٣ ملیارات دولار لمصر. وھو ثالث تعامل من نوعه لمصر مع صندوق النقد الدولي منذ عام ٢٠١٦ ومن المفترض أن یساعد ذلك مصر في جذب المزید من الاستثمارات من الخارج بالإضافة إلى مزید من المساعدات المالیة.الإصلاحات الموعودة لإتمام الصفقة، كان على الحكومة المصریة تقدیم عدة تنازلات مھمة لصندوق النقد الدولي. الأول ھو جعل سعر الصرف الأجنبي أكثرمرونة - جزء من المشكلة التي أدت إلى خفض قیاسي لقیمة الجنیه المصري مما یثبت حقیقة أنه تم ربطه بالدولار الأمریكي. یتضمن طلب آخر لصندوق النقد الدولي وعدًا بإرسال تحویلات نقدیة (دعم نقدي) مباشرة إلى ٥ ملایین أسرة مصریة فقیرة بحلول نھایة ھذا الشھر. كان الالتزام الآخر الذي قطعته القاھرة على نفسھا ھو الوعد بكبح الإمبراطوریة الاقتصادیة الشاسعة للجیش المصري.
وھنا یشیر صایغ إلى :
أنه في ١٢ ینایر/كانون الثاني وافقت مصر أخیرًا على القیام بذلك و ھو أمر مذھل. لكنه أضاف: قد یكون الأمر أیضًا مجرد تصدیق على وثیقة"- دون ان یعني ذلك الالتزام بالتنفیذ بأمانة دون تلاعب-.قد تعید خطة الإنقاذ الجدیدة لصندوق النقد الدولي مصر من حافة الھاویة مرة أخرى، لكن من الصعب تحدید ما إذا كان بإمكانھا تیسیرحیاة المصریین وتوفیر انفراجة و راحة حقیقیة لھؤلاء الذین طالت معاناتھم. وقال قلدس إن الحكومة والنخب في البلاد سیحاولون الاحتفاظ بمزایاھم وثرواتھم، مع السعي طوال الوقت للتخلص من التنازلات التي التزموا بھا و أھمھا على سبیل المثال، تقلیل القوةالاقتصادیة للجیش. وقال قلدس إنھ حتى لو تم استیفاء جمیع الشروط الواردة في حزمة صندوق النقد الدولي، فإن تعافي البلاد لن یأتي بسرعة و قد یستغرقوقتا أطول مما نتوقع. وقال قلدس المصریون الذین یكافحون الفقر بالفعل الآن سیزدادون فقرا خلال العام المقبل. وخلص إلى أنھ من غیر المرجح أن تصبح مصر لبنان القادم، لكن لا شيء یمنع تزاید الصعوبات الاقتصادیة للمصریین في العام المقبل
. بمساھمات من محمد فرحان في القاھرة.
تحریر: جون شیلتون
حقوق النشر 2023DW.COM ، دویتشه فیله. تم توزیعه بواسطة
Tribune Content Agency، LLC .